11-فبراير-2016

في زمنٍ تغيب فيه الدّولة، لا بدّ من شكر من يلعب دورها(أنور عمرو/أ.ف.ب)

قد يبدو العنوان إباحياً للبعض، أو تنميطًا للصورة السّائدة التي صبغت عارضة الأزياء اللبنانية ميريام كلينك نفسها بها، لكن ثوب سباحتها، والذي استخدمته لتلخّص مشهدًا سورياليًا شهدناه منذ أيام، يعدّ كفيلًا بعكس عري الدّولة أمنيًا أمام أي خطرٍ إرهابيٍ قد يهدّدها.

ثوب سباحة كلينك لخّص مشهدًا سورياليًا يعكس عري الدولة أمنيًا أمام أي خطر إرهابي قد يهددها

أكّد وزير الدّفاع سمير مقبل أن الجيش اللبناني عاجز عن محاربة الإرهاب في ظلّ نقص الذّخيرة. ثمانية آلاف عسكري ينتشرون على الحدود من عرسال إلى رأس بعلبك، وفي ظروف مناخية قاسية، بدرجة حرارة 14 تحت الصفر، بحسب مقبل، لا يملكون ذخيرةً تكفيهم لحماية أنفسهم، فكيف بالتّالي يحمون وطنهم؟ وكيف أصلًا لوزير دفاعٍ يحترم جيشه ووطنه أن يخرج متسوّلًا الذّخيرة علناً لعسكره، فاتحًا بالتّالي عيون الإرهابيين على نقاط الضعف التي يعاني منها الجيش، ومقدّمًا دعوةً مجانيّة لهم لاختراق الحدود من جهة. ومن جهة أخرى، مثبّتًا ما أصر حزب الله على تكراره منذ فترة، وهو أن وجوده على الحدود ومشاركته في حرب سوريا، ضرورة أمنية لحماية لبنان من أي خطر وإبعاده عن ارتدادات وتفاعلات الحرب السّورية.

تسوّل مُقبل العلني، دفع بكلينك وكُثُرٍ غيرها، إلى شكر حزب الله لدفاعه عنهم، فالأجدى بالدّولة اليوم، إن كانت جادّةً فعليًا في طلبها من حزب الله الانسحاب من سوريا وعدم الانخراط في سياسة المحاور، أن تسحب الذرائع منه، بدايةً بتسليح الجيش ووصولاً إلى تأمين الحدود، وإلّا فدور حزب الله مستمرٌ في كسب شرعيةٍ شعبية، عمادها عجز الدّولة من ناحية، والخطر التّكفيري المتمادي والنّاشط إعلاميًا من ناحيةٍ أخرى.

خوف ميريام كلينك، ومن خلفها شريحة واسعةٌ تمثل الأغلبية في مجتمعات الأقلّيات الطّائفية والمذهبية التي ترسم فسيفساء الشّرق الأوسط، نابعةٌ من تهديدٍ وجوديٍ تشعر به هذه الأقلّيات، وتعمّم الصّفة التّكفيرية على الأكثرية الشّرق أوسطية، أي السّنة، بسبب التّضليل الإعلامي المقصود من البعض، بهدف تمرير مشاريع التّقسيم التي تستفيد منها إسرائيل بالدّرجة الأولى، علماً وأن السّنة هم أول ضحايا التنظيمات المتطرفة، واسألوا أهل الرّقة أو إدلب، أو مرّوا على عشيرة البو نمر في العراق، لتروي لكم عن مجازر "داعش".

كيف لوزير دفاعٍ يحترم وطنه أن يخرج متسولًا الذخيرة علنًا لعسكره، فاتحًا بالتالي عيون الإرهابيين على نقاط الضعف التي يعاني منها الجيش؟

الخطر التكفيري يهدّد الجميع، لا الأقليات فقط، وبالرّغم من الجهد الضّخم، والبروباغندا الهائلة التي تهدف إلى استقطاب أكبر عددٍ من الشّباب الصّاعد، إلّا أن الأحداث وإلى اليوم أثبتت عدم وجود بيئاتٍ حاضنةٍ للتطّرّف، بل متعاطفة يمكن علاجها عند هدوء النّفوس وموت أشباح الغرائز، بالمحصّلة، خوف الإنسان المشرقي اليوم هو خوف على حضارته التي دُمرّت في العراق وسوريا، على ذاكرة عريقةٍ من آثار وغيرها، على مخزونٍ علميٍ وافرٍ وعلماء جُدُد يُقتَلون، على نمط حياةٍ سائد، يبدأ بالعادات الاجتماعية ولا ينتهي طبعًا عند "مايو" ميريام كلينك، الذي، وعلى سخافة طرحه ربما برأي البعض، يعكس جانبًا من المجتمع اللبناني، ولبنان جزءٌ من الشرق الأوسط.

ثوب سباحة كلينك وغيرها هو جزءٌ من الحرّيات الشّخصية، المكفولة قانونًا ودستورًا، هذا ما لا يمكن تخيّله في حال دخلت التّنظيمات المتطرّفة إلى لبنان. شئنا أم أبينا اليوم، الدّولة اللبنانية اليوم مقصّرة بحقّ شعبها وجيشها، ومسؤولوها ليسوا إلّا تجّارًا يبيعون المواقف عندما تسنح الفرصة، مهتمين بإدارة الأزمات وما يتخلّلها من صفقات، أما تسليح الجيش، فيعتبر الأخير في سلم أولوياتهم، فكما قالت ميريام كلينك: "شكرًا سيّد!". في زمنٍ تغيب فيه الدّولة، لا بدّ من شكر من يلعب دورها، مع أن الموقف الطبيعي يجب أن يكون معاكسًا. نحن أمام خيارين لا ثالث لهما: الأول شُكر السّيد، والثّاني انتظار تأشيرة الهجرة أو اللجوء. أما الأمل ببناء دولة، فعلى الأمل السّلام.

اقرأ/ي أيضًا:

نصر الله لفرنجية: ذبحتنا يا صديقي

عون وجعجع.. لقاء التكاذب ورد الصفعات