19-يناير-2016

سمير جعجع وميشال عون أثناء المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه الأول دعمه للثاني رئيسًا للبنان (Getty)

ما بين سيارة ميشال عون وباب معراب ريحٌ عاتية، اضطر الجنرال أن يلوي عنق معطفه ليحمي بها رقبته خوفًا من أزمة غير محسوبة، دخل رويدًا وكأنه يسترق السمع خلف أبواب موصدة، تحسس يد جعجع وكلامه الدافئ، ونظر في عيون مُستقبليه ما يبعث على الطمأنينة والسكينة، لا حاجة لسترة تحميني، قال الجنرال لنفسه، فاقتلعها وأعطاها لصهره الفذّ: خذها يا جبران، أريد أن أضم هذا اللدود إلى صدري، وأن أشعر بخفقات قلبه وهو يُرشّح المسيحي الأول، في لبنان والشرق، إلى كرسي لم يعرف كبارًا من قبلي، ولن يعرفهم من بعدي.

بدعمه لعون، استطاع جعجع أن يصفع الحريري، فيما استطاع عون أن يصفع الجميع، انطلاقًا من فرنجية مرورًا بالحريري وبري وجنبلاط وصولًا إلى حزب الله

دخل الجنرال بكل أناقته، بدا سموحًا، لطيفًا، بشوشًا كما لم نعرفه من قبل، راح يُمازح الحضور ويُضحكهم وكأنهم بعض أحفاده، أخذ يُصافحهم الواحد تلو الآخر، فيما يقف الحكيم إلى يمينه ليعرّفه على هذا وذاك، بدا وكأنه ضيف من كوكب مختلف، فهو لا يعرف من يكون النائب فادي كرم أو جورج عدوان وأنطوان زهرا، بل بدا وكأنه لا يعرف جعجع نفسه، ولا يعرف زوجته، ولا يتذكر أي شيء من تاريخ يضج بما يضج.

جلس كحمل وديع إلى جانب المبادر، هو ينتظر أن يصل الكلام إلى حيث يجب، يريد أن يسمعها ومعه العالم بأسره: "نحن في حزب القوات نُرشّح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية"، فهذا ما يعنيه دون سواه من العبث والوثائق وإعلان النوايا، لم يتوقف عند أي بند من البنود العشرة، فليكتب جعجع ما يريد، قال الرجل لنفسه وللمقربين إليه، فمنذ متى كنت مُجبرًا على الالتزام، ألا تذكر إعلان بعبدا يا جبران؟ ألا تذكر كيف ضربناه وعرّابه عرض الحائط؟ ألا تذكر اتفاق الدوحة وكيف سحقناه بنعالنا على أبواب هذه الدار؟ دعوه يكتب ما يشاء، ثم صفقوا له بحرارة، وأخبروه بأنه قديسٌ برتبة نبي، وبأن الموارنة من قبله ليسوا كما بعده، وبأن الأرحام من المدفون إلى كفرشيما عجزت، ولا تزال، على حجز نطفة بحجم هذا العملاق!

في المقلب الآخر، بدا سمير جعجع شديد الحرص على كل تفصيل مهما صغر أو كبر، هو يريد لهذه الزيارة أن تُتوّج عقده السياسي ومسيرته المثيرة للجدل، يجلس في مكتبه وملحم إلى جانبه، يمسك قلمًا ويكتب بنوده العشرة، يقاطعه الأخير بالقول: هذا البند قويٌ جدًا ولن يوافق عليه الجنرال، يضحك الحكيم طويلًا، ويهمس في أذن صديقه: عون سيوافق على أي شيء مقابل ترشيحنا، ونحن سنكتب أي شيء لزوم ماء الوجه والرأي العام والإخراج المناسب، فلا أنا أنتظر التزام الرجل، ولا هو مهتم بما قد نكتب من بنود لا تساوي ثمن الحبر الذي خُطت به.

ينتقل إلى موقع الحدث، أريد لقالب الحلوى أن يُحمل برافعة من العيار الثقيل، ازرعوا كاميرات البث المباشر في كل مكان، أريدها أن تلحظ كل كبيرة وصغيرة، يجلس إلى زوجته المحتارة في اختيار ملابسها، تسأله عن رأيه .. هل أرتدي هذا أم ذاك؟ يُصرّ على ثوبها الأبيض، أريده عُرسًا صاخبًا بكل تفاصيله، وليتعلم سعد الحريري ومعه جيش المستشارين أدبيات الترشيح ومعركة الصورة وفن اجتراح القهر وقدرتي في أداء الرقص المجنون على حافة الهاوية.

هو لقاء التكاذب والأحضان الملغومة، رغم ما يحمله من دهاء سياسي وعقل بارد في صياغة الردود المزلزلة، استطاع جعجع أن يصفع الحريري بكل يده، وكأنها صفعة العمر، فيما استطاع عون أن يصفع الجميع، انطلاقًا من فرنجية مرورًا بالحريري وبري وجنبلاط وصولًا إلى حزب الله، المعادلة باتت تُختصر بإثبات وجود ورد صفعات، وقد أحسن الرجلان في الإنتاج وفي الإخراج والتمثيل. أما حقوق المسيحيين، فذلك بحثٌ آخر. 

اقرأ/ي أيضًا:

منتمو داعش في تركيا وسيناريوهات الترحيل إلى مصر

ليست مجرد ناطحات سحاب لامعة..إنها إمارات الظلام