22-سبتمبر-2023
فيضانات ليبيا

الاعتقالات في المدينة المنكوبة جاءت من أجل إخماد أي تحرك سياسي (Getty)

شنت أجهزة الأمن التابعة لحفتر المسيطرة على شرق ليبيا، حملة من الاعتقالات التي استهدفت المواطنين في مدينة درنة المنكوبة، بعد مشاركتهم بمظاهرات في الأيام الماضية، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة التي شهدتها مدينتهم.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، تم القبض على عدد من النشطاء، وتم منع بعض الصحفيين وعمال الإغاثة من الوصول إلى مدينة درنة، كما تعطلت الاتصالات.

انطلقت الاحتجاجات في مدينة درنة، للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الإهمال الذي فاقم من الكارثة

ويبدو أن السلطات المسيطرة على شرق ليبيا، تتحرك لتكميم أفواه المعارضين، حيث اعتقلت عدد من المتظاهرين والنشطاء الذين طالبوا بمحاسبة، من يقف وراء "الرد الرسمي الفاشل على الكارثة".

وتسبب الإعصار الذي ضرب المنطقة، يوم 11 أيلول/سبتمبر، في تدمير سديّن مما أدى إلى حدوث سيل جارف في المدينة الساحلية اجتاح أجزاءً كبيرة منها والمناطق المحيطة بها، وصلت حتى البحر الأبيض المتوسط، مما أسفر عن مقتل الآلاف من سكانها.

وتم اعتقال ما لا يقل عن ثلاثة أشخاص انتقدوا علنًا رد فعل السلطات المسيطرة على المنطقة، أو شاركوا في احتجاجات شهدتها درنة يوم الإثنين، بحسب ما نقله شهود عيان، وأقارب المعتقلين. 

من جهتهم، قال عمال الإغاثة والصحفيون، إن "السلطات الاستبدادية، التي تسيطر على النصف الشرقي من ليبيا المقسمة، حيث تقع درنة، قيدت الوصول إلى المدينة. ويومي الثلاثاء والأربعاء، تم قطع خدمات الإنترنت والهواتف المحمولة على المدينة، مما أثار تساؤلات حول ما إذا كان المشغلون قد قطعوها عمدًا؟". لكن شركة الاتصالات الليبية، قالت  لوسائل الإعلام المحلية، بعد انقطاع الاتصالات إن سبب الانقطاع، إما تلف كابلات الألياف الضوئية التي ربما حدثت أثناء عمليات البحث الجارية، أو بسبب التخريب.

فيضان ليبيا

مستوى الغضب مرتفع

وتحدث عامل إغاثة متطوع من درنة، يدعى إسلام عزوز لـ"نيويورك تايمز"، كان قد حضر الاحتجاج يوم الإثنين، والذي شارك فيه مئات الأشخاص، قائلًا: "مستوى الغضب بين الناس مرتفع للغاية، وانقطعت الاتصالات لأنهم خائفون من تعبير الناس عن غضبهم علنًا. لقد طالب الناس بمحاسبة المسؤولين عن الكارثة".

وأضاف: "لقد فقد الناس منازلهم ومدينتهم. أنهم بالطبع غاضبون من الفساد، والإهمال الذي أدى إلى هذه الكارثة".

وبعد احتجاجات الإثنين، قال صحفيون، إنهم تلقوا الأوامر بالخروج من درنة، بينما منعت مجموعات صحفية من تغطية عمليات الإنقاذ والإغاثة والتحرك بحرية في جميع أنحاء المدينة، أو العودة إليها بمجرد مغادرتها.

ورغم استمرار فرق الإنقاذ الأجنبية والمنظمات الإغاثية بالعمل في المدينة المنكوبة، أشارت مصادر إلى أن السلطات طلبت من مجموعات تطوعية، قادمة من غرب ليبيا، مغادرة المدينة يوم الأربعاء الماضي.

منع المساعدات الأممية من دخول درنة

من جهتها، قالت المنسقة المقيمة، ومنسقة الشؤون الإنسانية في ليبيا التابعة للأمم المتحدة، جورجيت غانيون، إن قافلة مساعدات تابعة للأمم المتحدة كانت متجهة من بنغازي، العاصمة الفعلية لشرق ليبيا، لكن السلطات منعتها من دخول درنة، يوم الأربعاء دون تفسير. ولكن أعمال الإغاثة الأخرى التي تقوم بها الأمم المتحدة في درنة، استمرت دون عوائق.

وأضافت غانيون: "لم يكن هناك أي محاولة على الإطلاق لتقييد تحركات الأمم المتحدة، أو تقييد وصول الإمدادات الإنسانية".

فيضان ليبيا

مخاوف من تداعيات الأزمة الصحية في درنة

وفي درنة، واصلت فرق الإغاثة من كافة أنحاء ليبيا، انتشال الجثث من تحت الأنقاض، محاولين التعرف عليها قبل دفنها في مقابر جماعية.

وحذرت جماعات الإغاثة من أن الأمراض يمكن أن تنتشر بسرعة عن طريق المياه الملوثة، إذ أبلغ المركز الوطني الليبي لمكافحة الأمراض عن 150 حالة تسمم بالفعل. وقالت غانيون: إن "العديد من الوكالات تعمل مع السلطات لإصلاح إمدادات المياه".

وتشير الصحيفة الأمريكية، إلى أن الارتباك بشأن الوصول إلى درنة، يعود إلى حالة الفوضى والانقسام  والتسيس إلى حد كبير في المؤسسات ووسائل الإعلام الليبية. وكان من الصعب الحصول على معلومات موثوقة حول عدد القتلى، وغيرها من المعلومات حتى قبل انقطاع الاتصالات.

وقالت منظمة الصحة العالمية، الأربعاء، إن نحو 4000 حالة وفاة تم تسجيلها في المستشفيات. لكن مسؤولي الإدارة الشرقية قالوا إن عدد القتلى أعلى بكثير، وقدر البعض أن ما يصل إلى 11 ألف شخص لقوا حتفهم، مع وجود آلاف آخرين في عداد المفقودين.

فيضان ليبيا

العودة للأساليب الأمنية القديمة

تشير "نيويورك تايمز"، إلى أن الأمر  عندما يتعلق بالسكان الغاضبين بشأن كل ما فقدوه في الفيضانات، بدا أن السلطات في بنغازي، كانت تعود إلى نفس الأساليب الأمنية القمعية التي غالبًا ما تستخدمها لقمع التهديدات لسلطتها.

ومساء الإثنين، تجمع المئات من سكان درنة في مسجد بالمدينة، للاحتجاج على رد الحكومة على الفيضانات، مطالبين بإجراء تحقيق دولي مع المسؤولين عن صيانة السديّن اللذين انهارا في درنة، وإقالة رئيس البرلمان الليبي عقيلة صالح المتمركز في شرق البلاد.

كما قاموا بإحراق منزل رئيس بلدية درنة، وهو ابن شقيق رئيس البرلمان، الذي عينته حكومة بنغازي. وبعد وقت قصير من المظاهرة، تم قطع جميع الاتصالات في درنة، مما ترك السكان، وعمال الإغاثة وغيرهم دون أي وسيلة للاتصال، أو إرسال رسائل أو استخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول، في وقت مبكر من صباح الثلاثاء حتى مساء الأربعاء، عندما قال السكان إن شبكة الإنترنت عادت للعمل.

في حين، اعتقلت قوات الأمن الداخلي عدة شبان من المتظاهرين خلال المظاهرة، أحدهما من المنظمين.

قال عمال الإغاثة والصحفيون، إن "السلطات الاستبدادية، التي تسيطر على النصف الشرقي من ليبيا المقسمة، حيث تقع درنة، قيدت الوصول إلى المدينة"

هذا، وقال جوهر علي، وهو صحفي من درنة، إن شقيقه، الذي ظهر على شاشة التلفزيون للمطالبة بمحاسبة المسؤولين، وانتقد كيفية إدارة المساعدات، تم اعتقاله يوم السبت. وأشار علي، إلى إنه تم إطلاق سراح المتظاهرين في وقت لاحق، لكن شقيقه ظل رهن الاحتجاز.

وعلى الرغم من أن المتحدث باسم لجنة الاستجابة في حكومة شرق ليبيا، برر الاعتقالات زاعمًا: "كان من الواضح جدًا أن سكان درنة لديهم مخاوف ومظالم مشروعة، لكن الفصائل المناهضة لحفتر استخدمت الاحتجاج للتحريض على العنف بما في ذلك حرق منزل رئيس البلدية".