22-أبريل-2024
المفكر العربي عزمي بشارة خلال المقابلة

المفكر العربي عزمي بشارة (التلفزيون العربي)

رأى المفكر العربي عزمي بشارة أنه لا توجد نهاية محددة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. وأعرب، في مقابلة أجراها معه "التلفزيون العربي" ليلة أمس الأحد، عن اعتقاده بأن الإسرائيليين ماضون في الحرب لأنه ليس لديهم تصورات متفق عليها مع أطراف جديّة بشأن ما يُسمّى بـ"اليوم التالي" لانتهاء الحرب على القطاع.

وأوضح بشارة أن التصورات الإسرائيلية بشأن هذه المسألة تتمحور حول البقاء في وسط قطاع غزة وفي غلافه من الداخل، وليس من الخارج، بحيث يكونوا جاهزين لعمليات اقتحامات مستمرة حسب الحاجة.

واعتبر أن استمرار الحرب لفترة طويلة من دون إعلان نهايتها هو "جحيمٌ وخراب". وأكد، في السياق نفسه، أن الوضع الحالي هو خراب حقيقي لا يمكن الاستمرار به إطلاقًا، مشددًا على ضرورة انتقال الحياة في غزة، وبأسرع وقت ممكن، إلى مرحلة جديدة فيها إغاثة وإعادة إعمار.

واستعرض بشارة بعض الأرقام والإحصائيات التي تُبرز حجم الكارثة والمأساة في قطاع غزة، فبيّن أن 39 ألف منشأة اقتصادية من أصل 49 ألف دُمّرت، ودُمّر أيضًا 84 بالمئة من المرافق الصحية، و57 بالمئة من البنية التحتية للمياه والصرف الصحي، و5 من 6 مرافق إدارة النفايات الصلبة، و510 كيلومترات من شبكات توزيع الكهرباء، و75 بالمئة من شبكة الاتصالات. وذلك عدا عن أن نصف سكان القطاع على حافة المجاعة، فيما يعاني النصف الآخر من انعدام الأمن الغذائي.

أكد بشارة أن الوضع في قطاع غزة "جحيم وخراب"، وأن جعل القطاع غير قابل للحياة هو الهدف الحقيقي الوحيد الذي تحقق من الحرب الإسرائيلية عليه

وقال بشارة إن هذه الأرقام توضح أن أضرار الحرب الحالية توازي 90 ضعف أضرار حرب 2021. ولفت إلى عدم وجود أي ضغط حقيقي لوقف الحرب أو الانتقال إلى مرحلة جديدة يُعاد فيها البناء ويُترك الناس للعيش وترتيب أحوالهم، خاصةً أنهم، وكما أوضح، سيجدون أنفسهم في حال الانتقال إلى حرب أقل شدة من دون ملاذات آمنة بعد تدمير البيوت والمدارس والمستشفيات، عدا عن عدم وجود عمل.

وجدّد تأكيده على أن جعل قطاع غزة غير قابل للحياة هو الهدف الحقيقي الوحيد  الذي تحقق من هذه الحرب، مشيرًا إلى أن العودة بالقطاع إلى ما كان عليه قبل الحرب، بحلول 2030 – 2035، لن يتحقق دون العودة إلى نمو مكثّف جدًا.

وبينما شدّد على أنه لا يمكن إدارة القطاع عبر جهة تفرضها "إسرائيل"، دعا صاحب "في المسألة العربية" إلى حكومة وفاق وطني، أو حكومة متفق عليها، لتدير الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أن تحصل انتخابات أو يتم التوصل إلى حل سياسي.

ما يحدث في الضفة "شبه إعادة احتلال"

في الانتقال إلى الضفة الغربية وما تشهده من تطوّرات متسارعة، قال بشارة إن "إسرائيل" تحاول استغلال الوضع الذي ترتب على عملية السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 لتصفية المقاومة وتطبيق خطط مجهزة سلفًا ضد الضفة الغربية، التي أكد أنها تشهد انتفاضة منذ 2021، وأنها في ظل التطورات الراهنة والاقتحامات الليلية المكثفة لمدنها وبلداتها وقراها، ومحاولات تصفية المقاومة، تتعرض لـ"شبه إعادة احتلال".

وفيما لفت إلى أن الحياة في القرى والبلدات الفلسطينية المتاخمة للمستوطنات الإسرائيلية أصبحت بمثابة "جحيم"، تحدث عن تقاعس السلطة الفلسطينية في حماية المزارعين والفاعلين على خطوط التماس، مشيرًا إلى أن ذلك لن يضعها في مواجهة الجيش الإسرائيلي إن كانت تبرر تقاعسها بعدم رغبتها في التصادم معه، وإنما أمام مستوطنين يقف العالم كله ضدّهم، مؤكدًا على أنه يمكن للسلطة استغلال هذا الأمر بطريقة أفضل من ذلك.

الدعم الأمريكي مستمر ودون شروط

أما على صعيد الموقف الأمريكي من الحرب الإسرائيلية على غزة، فقد أكد بشارة أنه متجانس منذ البداية، وأنه داعم لـ"إسرائيل" من دون شروط سواء بالمال أم بالسلاح أم بالمشاركة المباشرة.

ولفت المفكر العربي إلى وجود اتفاق بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" بشأن العملية البرية في رفح، جنوب قطاع غزة، والقضاء على حركة "حماس" في المدينة. وأكد أن الخلاف بين الطرفين كان يتمحور حول أمن المدنيين، وأنه ثمة الآن ما يشبه الضوء الأخضر للمضي في هذه الحملة.

ورأى، في تعليقه على الفيتو الأمريكي على منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، أن الولايات المتحدة لا تعارض ذلك، لكنها لا تريد أن يُمنح للفلسطينيين دون ثمن، وإنما عبر صفقة تضمن "إسرائيل" من خلالها الكثير من الأمور مقابل ذلك. كما أشار إلى أن الطرح الأمريكي بشأن الاعتراف بدولة دون حدود لا يعني الكثير، بل وقد يجهض فكرة الدولة نفسها.

الحرب الإقليمية مستبعدة

استبعد بشارة، مجددًا، سيناريو الحرب الإقليمية في حديثه عن التصعيد الإيراني – الإسرائيلي. وأكد، في هذا السياق، أنه لا أحد يريد الانجرار إلى هذه الحرب في المنطقة سوى نتنياهو، بيد أنه لا يستطيع فرضها على حلفائه.

وبينما أشار إلى أن الرد الإيراني على "إسرائيل" كان مفاجئًا من حيث حجمه والقدرة على استهداف مناطق عسكرية معينة، قال بشارة إن ما دفع إيران إلى الرد على قصف "إسرائيل" لقنصليتها هو استهدافها المتكرر لضباط من الحرس الثوري مباشرةً، بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، عبر ضربات متتالية أحرجت إيران.

ورأى المفكر العربي أن "إسرائيل" وفرت على إيران الحرج بعدم الإعلان عن الرد على هجومها. كما رجّح أن يتوقف التصعيد المتبادل والمباشر بين الطرفين في المرحلة المقبلة، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن الهجمات الإسرائيلية على لبنان وسوريا، والأعمال التخريبية داخل الأراضي الإيرانية، لم تتوقف.

وأعاد ردة الفعل الغربية على الهجوم الإيراني على "إسرائيل" إلى أن إيران دولة غير محبوبة عالميًا بسبب طبيعة نظامها، وحملتها الإعلامية على "إسرائيل" المرفوضة في الغرب، ونشاط المعارضة الإيرانية في الخارج، مشيرًا كذلك إلى تضرر المجتمعات العربية من تمدد نفوذها بالمنطقة على أساس الولاء الطائفي.

تحوّلات الموقف التركي والوساطة القطرية

وفي حديثه عن الموقف التركي من "إسرائيل" والحرب على غزة، لفت بشارة إلى أن الشعوب العربية كانت تتوقع الكثير من أنقرة. وبينما أشار إلى أن القيادة التركية كانت تتجه بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة نحو الغرب، أوضح أنه ثمة تغيّرات طرأت على نبرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاباته الأخيرة.

وقال بشارة إن نتائج الانتخابات البلدية التركية كانت محركًا أساسيًا في تغيّر نبرة القيادة التركية تجاه العدوان الإسرائيلي على غزة، وانخراط عدد كبير من القوى الغربية ضد إيران. وفي ظل عدم وضوح طبيعة الحراك التركي المستجد، أعرب بشارة
عن أمله بأن يكون لهم دور في تقريب وجهات النظر والدفع نحو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.

استبعد بشارة سيناريو الحرب الإقليمية بين "إسرائيل" وإيران، وأكد أنه لا أحد يريد الانجرار إلى هذه الحرب سوى نتنياهو لكنه لا يستطيع فرضها على حلفائه

وفي سياق آخر، تحدّث بشارة عن الوساطة القطرية في الحرب على غزة انطلاقًا من التمييز بين وساطة واضحة وصريحة يمثّلها وسيط قوي له نفود وقدرة على الضغط على الطرفين، كما في حالة الولايات المتحدة بين "إسرائيل" والرئيس المصري الراحل أنور السادات؛ وأخرى لا يتميّز الوسيط فيها بقوته بل بعدم وجود أجندة لديه عند أي من الطرفين المتنازعين، وهو النوع الذي تنتمي إليه وساطة دولة قطر في الحرب كونها ليست إمبراطورية أو دولة عظمى لديها أجندات.

ولفت بشارة إلى أن قطر لم تعرض نفسها كوسيط وإنما طُلب منها أن تؤدي هذا الدور، الذي دفعت ثمنه: "بأن هوجمت كل هذا الهجوم". وأكد، في هذا السياق، على أن الخصم الرئيسي للوساطة القطرية هو نتنياهو الذي لا يريد أن يقدّم شيئًا، ويطلب من الآخرين الضغط على "حماس" لقبول ما يطلبه.

وشدّد بشارة على أن قطر لا تستطيع ولا تريد أن تمارس ضغوطًا على أي طرف، وأن حركة "حماس" لا يمكن أن تقبل إملاءات من أي طرف مهما كان صديقًا، وأن نتنياهو يريد أن يفشل الوساطة القطرية عبر التحريض عليها وعلى دولة قطر نفسها أيضًا، ذلك أنه يدرك بأن القضية لا تتعلق فقط بحركة "حماس"، وإنما الانسحاب من غزة وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإنهاء الاستيطان وحق العودة.

وأوضح المفكر العربي أن نتنياهو ربط نهاية "حماس" بدخول رفح على أساس أن الموضوع ينتهي باجتياحها، لكن الواقع أنه لن ينتهي أي شيء بدخول المدينة، ذلك أنه من دون وقف إطلاق النار والانسحاب من القطاع وفتح المجال للإغاثة الإنسانية، لن يكون هناك أساس لأي حل.