19-مايو-2018

ما زالت المرأة السودانية تناضل من أجل حقوقها الأولية (Getty)

مع وافر عطاء المرأة السودانية عمومًا في ميدان السياسة والنضال الاجتماعي، إلا أنها انتهت إلى حالة من الضعف، فقدت من خلالها حقوقها الأولية، وأصبحت تعاني بشكل يومي من طبيعة السلطة الذكورية حسب التوصيف الرائج. وبلا مواربة، يمكن القول إن مكاسب المرأة السودانية عبر التاريخ حملت على الدوام وهج الانتصار الزائف، خطوة للأمام وخطوتين للوراء، حتى آلت بها الأمور اليوم إلى أن تناضل فقط من أجل الحقوق الأساسية، مناهضة الخفاض (الختان) والسفر دون مُحرم، وحق اختيار الزوج، والحرية الشخصية في ارتداء الأزياء، والانعتاق من سلطة المجتمع والدولة، في محاولة لاستعادة كينونتها المصادرة.

حملت مكاسب المرأة السودانية عبر التاريخ وهج الانتصار الزائف

أكثر ما تعاني منه المرأة السودانية هو قانون "النظام العام" الذي يمتهن كرامتها، ويجعلها أشبه بالضحية المطاردة، وذلك لمجرد أنها ترتدي "زيًا فاضحًا"، يخضع فيه توصيف فاضح لتقدير رجال الشرطة الذين أوقعها حظها العاثر في طريقهم، وهنا لا تتعرض للتعنيف، وإنما للمحاكمة والجلد.

قوانين النظام العام، هي منظومة مواد يتضمنها القانون الجنائي السوداني بالإضافة إلى ما يعرف بقانون سلامة المجتمع الذي صدر بشكله الحالي، للمرة الأولى، كلوائح محلية خاصة بولاية الخرطوم فقط، في 28 آذار/مارس عام 1996، وتضمن عدة مواد تتعلق بالمظهر العام، والزي والسلوك الشخصي والاجتماعي للمواطنين بما يجعل الدولة رقيبًا شخصيًا على المواطنين وسلوكياتهم.

اقرأ/ي أيضًا: #اعرفي_حقك.. ضد اغتصاب المرأة السودانية وتجريمها

ونتيجة لقانون "النظام العام" الذي يجرم ارتداء "البنطلون" وعدم وضع غطاء للرأس، فقد تجددت مطالب منظمات حقوقية ونسوية بإلغاء المادة 152 من القانون الجنائي السوداني، باعتبار أن فيها "إذلالًا للنساء". وتخول هذه المادة تحديدًا للشرطة القبض على كل من ترى أنه يلبس "لبسًا فاضحًا" أو "مخلًا بالآداب العامة"، ليعاقب بالجلد أو الغرامة أو كليهما معًا، وتكونت نتيجة لتلك الممارسات جمعيات نسوية رافضة لكل أشكال العنف ضد المرأة، أشهرها مبادرة "لا لقهر النساء".

ومؤخرًا ثارت على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعات من الناشطات والناشطين، رافضين إرغام الفتيات على الزواج دون تراضٍ، واعتبرت ذلك نوعًا من استبداد المجتمع، ومصادرة حق الاختيار، وهو بالضرورة السبب في ما عرف مؤخرًا بالحملة ضد "اغتصاب الزوجة"، وذلك على خلفية حادثة "نورة"، تلك العروس التي قتلت زوجها في شهر العسل بسبب رفضها له وإرغامها على ممارسة الجنس، وقد وجه لها القضاة الأسبوع الماضي تهمة القتل العمد وصدر في حقها حكم بالإعدام، ما أثار ردود أفعال واسعة رافضة لإعدام نورة، باعتبار أنها ضحية لاستبداد المجتمع. أما الواقعة الأخرى فهى جلد فتاة سودانية (75) جلدة من قبل السلطات لأنها تزوجت دون موافقة أهلها.

أكثر ما تعاني منه المرأة السودانية هو قانون النظام العام الذي يمتهن كرامتها

قضية المرأة السودانية مع الاستبداد ذات أبعاد كثيرة ومتشابكة وفقًا لرئيسة المفوضية القومية لحقوق الإنسان إيمان فتح الرحمن، والتي اعتبرت أن قضية المرأة بالتحديد هي قضية وعي بالحقوق قبل أن تكون قضية تشريعات وقوانين. وقالت إيمان فتح الرحمن لـ"ألترا صوت"، إن القانون يعمل لمعالجة الاستثناءات "لأن في الأصل الناس تفعل ما هو صحيح، والقانون هو الحامي في حالة التعدي علي هذه الحقوق".

اقرأ/ي أيضًا: الصحافة السودانية.. "حرمان ملكي" من الدخول إلى بريطانيا

 وأوضحت إيمان فتح الرحمن أن الوعي بممارسة أخذ الحق القانوني هو الأهم، مؤكدة: "هنا نحتاج لعمل ضخم جدًا.. ويأتي في مقدمة هذا العمل فك ارتباط العادات والتقاليد والعيب والحرام، ومواءمة هذا مع القانون". وأشارت إلى أن قضية وعي النساء بحقوقهن هو التحدي الحقيقي الذي يواجه كل العاملين في مجال حقوق الإنسان، مبينة أن "التبصير والتوجيه، والدعم المعنوي والقانوني والنفسي، كلها عناوين لمهمة شاقة جدًا تنتظر كل مناد بقضايا حقوق المرأة"، إضافة إلى أن تضافر الجهود هنا مهم جدًا لإحراز التقدم المنشود، وتوفير حماية للمرأة، حتى تمارس حياتها بأمان وثقة وحرية.

للكاتب والروائي السوداني حمور زيادة وجهة نظر مساندة على الدوام للمرأة وحقوقها المُجهضة، فهو كثيرًا ما يحاول أن ينتصر لها ضد قمع الدولة والمجتمع، ويعتقد وفقًا لما قاله لـ"ألترا صوت"، أن وضع المرأة السودانية مرتبك في المجتمع السوداني شديد التنوع الثقافي، فهو "مجتمع انتقالي، لا هو مجتمع تقليدي ولا هو مجتمع حديث، وليس له سمات المجتمعات الصناعية لكنه لم يعد مجتمعًا زراعيًا ولا رعويًا فقط"، وهذا أمر جعل وضع المرأة مرتبكًا، مع ملاحظة أنه بقدر ما تجد المرأة كبيرة السن تقديرًا ومكانة مثل ما يحدث في المجتمعات الذكورية، تُعاني الفتيات من قمع مجتمعي ممنهج تشارك فيه أحيانًا النساء كبيرات السن.

وفي حين تعمل المرأة السودانية في القضاء وتصل مناصب عليا في جهاز الشرطة لرتبة فريق، وهي وظائف لم تتوفر لنساء عربيات وأفريقيات في دولهن، إلا أن ذات المرأة لا تملك أن تزوج نفسها ولا تستطيع السفر بأطفالها الا بإذن زوجها.

إنه وضع مستغرب بالنسبة لحمور زيادة الذي أشار إلى أن الاضطهاد المجتمعي للمرأة السودانية يأخذ أحيانًا شكلًا يدعي أنه يحافظ عليها، وذلك "استبطانًا لأنها إنسان من الدرجة الثانية يحتاج دومًا لرجل يكون قيمًا عليها، فالحارس هنا مالك، لذلك يكثر تشبيه النساء بالجوهرة التي لا بد من أن نخبئها". وأسوأ ما يواجه النساء في السودان بحسب تقدير حمور زيادة هو "سطوة المجتمع، وغياب الوعي بحقوقهن في القوانين"، خاصة أن جرائم مثل العنف الأسري وضرب الزوجات أو الاغتصاب الزوجي، منتشرة في المجتمع لكن لا تجد تشريعات ضدها ولا اهتمامًا حكوميًا بمكافحتها، بدليل أنك لا تجد "حملات إعلانية لمكافحة العنف المنزلي أو خطوطًا ساخنة للشكوى وشرطة تحارب هذه الجرائم".

أسوأ ما يواجه النساء في السودان هو سطوة المجتمع، وغياب الوعي بحقوقهن في القوانين

ووصف حمور زيادة ما تعاني منه الفتيات بأنه قمع مُمنهج، قائلًا إنه "بدلًا من تشريعات تحمي المرأة من العنف المنزلي، نجد تشريعات تعاقبها على زيها"، ويقدم المجتمع تبريرًا لهذه القوانين غير العادلة بأن "العنف المنزلي هو شأن داخلي وله أسباب لا نعرفها، والزعم أن القرآن أباح ضرب الزوجات"، بينما يعتبرون زي المرأة شأنًا عامًا، بل يعتبرون أن الزي غير المحافظ هو زي مؤذٍ لهم كرجال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة السودانية.. العنف متواصل

الأغنيات السودانية.. المرأة في خانة المفعول