21-يوليو-2018

وصلت الأزمة في إيران إلى مرحلة غير مسبوقة (Getty)

تعيش إيران في أوضاع اقتصادية غير مسبوقة، لا تكفي معها آليات القمع الصارمة لتجعل الناس يتوقفون عن التذمر والاحتجاج. وعلى ما يبدو، فإن الحيلة التقليدية التي ينتهجها النظام بجعل أمريكا هي السبب في كل مشاكل البلاد، لم تعد مقنعة. يكشف هذا التقرير المترجم عن صحيفة الغارديان البريطانية، وجهًا ومن وجوه هذه الأزمة الخطيرة.


على حد تعبير مُحمد، وهو مصمم جرافيك عاطل عن العمل منذ أربعة أشهر، فإن الحياة في إيران "صارت مثل أن تكون سمكة في بركة مياه تتقلص سريعًا، تحت الشمس الحارقة في وسط الصحراء". من أول وهلة يبدو أن تعليقات الشاب البالغ من العمر 28 عامًا تتحدث عن التحديات البيئية الخطيرة التي تواجهها البلاد: فهي تعاني من أسوأ جفاف مر عليها في التاريخ الحديث، بالإضافة لنقص المياه وتكرار انقطاع الكهرباء الذي يتسبب بدوره في انقطاع الإنترنت وتوقف المصاعد وتعطل أجهزة تكييف الهواء في حرارة تبلغ 40 درجة مئوية. لدرجة أن السلطات في طهران تفكر في تقديم موعد بدء يوم العمل، ليصبح من السادسة صباحًا وحتى الثانية مساءً، لمساعدة العمال على التأقلم مع ذلك الوضع.

​المظالم الاقتصادية والافتقار إلى الحريات والعقوبات العالمية وتغير المناخ معًا تضع إيران تحت ضغوط غير مسبوقة

لكن مُحمد الذي يعتمد على معاش والده من أجل متطلبات الحياة، مثل "العلَقة التي تتغذى على الدماء"، حسبما يقول، لم يكن يتحدث عن البيئة. بل يشير إلى أزمة أوسع نطاقًا يقول إنها خلقت شعورًا باليأس في المجتمع الإيراني، لم يشهد مثله على هذا النطاق الواسع منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979.

اقرأ/ي أيضًا: احتجاجات إيران.. موجة غضب لا تستثني أحدًا حتى خامنئي!

فرضت مجموعة من العوامل المتباينة على البلاد، بدءًا من المظالم الاقتصادية والافتقار إلى الحريات الاجتماعية والسياسية، وصولًا إلى العقوبات الدولية، ضغوطًا غير مسبوقة. ويتفق العديد من الإيرانيين الآن مع مُحمد على أن البلاد تواجه لحظة حاسمة.

يقول مُحمد إن "الناس يسعون بيأس للعثور على مخرج". ويردف قائلًا "إذا كانت الأمور ستؤول إلى الحرب، فلتكن الحرب، ولكن سريعًا، وإذا كان من المحتمل التوصل إلى اتفاق، فليكن ذلك، ولكن سريعًا، وإذا كان الأمر سيتطلب تغيير النظام، فليكن ذلك، ولكن سريعًا".

أدت أسابيع من الاحتجاجات المتفرقة في أنحاء البلاد، بسبب ندرة المياه، والتأخر في دفع الرواتب، وانخفاض قيمة العملة، بالإضافة للضغوط المتزايدة من إدارة ترامب، التي تريد أن تتوقف جميع الدول عن شراء النفط الإيراني بحلول الـ 4 من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، إلى  زيادة الضغوط على الرئيس الإيراني حسن روحاني. والذي يُنظر إليه بشكل متزايد على أنه يشبه في أفعاله البطة العرجاء، نظرًا لأنه أثبت عدم قدرته على محاربة المتشددين ومواصلة تنفيذ خططه الإصلاحية. وقد انهارت التعهدات -التي أعلن التزامه بها خلال الصفقة النووية التاريخية التي عقدت في عام 2015- بعد أن سحب دونالد ترامب الولايات المتحدة من الصفقة في شهر أيار/ مايو الماضي.

اشترى مُحمد العام الماضي إحدى الأدوات التقنية، قلم تفاعلي، بمبلغ 5 ملايين ريال إيراني، وقد وصل سعرها الآن إلى 25 مليون ريال (440 جنيهًا إسترلينيًا)، بزيادة قدرها خمسة أضعاف. وقد أثرت الزيادات المماثلة في الأسعار على العناصر الأخرى، وخاصةً المستوردة منها والتي تعتمد على سعر الدولار. فقد بلغت قيمة الريال الإيراني إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، وبدأت الشركات الأجنبية في الانسحاب من إيران على نحو متزايد خشية الإجراءات الأمريكية، مما سيجعل من الصعب على أشخاص مثل مُحمد العثور على وظائف.

وأضاف "كل الناس من حولي يفكرون في الهجرة. طريقي الوحيد للفرار هو الحصول على تأشيرة الدراسة الخاصة بالطلاب، لكن تكاليفها مرتفعة، كما لا يمكنك الحصول على مواعيد مقابلات للحصول على التأشيرة بسهولة.

وقد أثيرت المخاوف بشأن اتجاه البلاد نحو الهاوية السياسية والاقتصادية وحتى البيئية، ويخشى المحللون من تجاهل هذه التحذيرات. يقول صادق زيبا كلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، إن الوضع أصبح سيئًا للغاية لدرجة أن "الناس لا يرون أي بصيص من الأمل في نهاية ذلك النفق المُظلم".

ويضيف: "لم نشعر في أي وقتٍ مضى بمثل هذا الكم من الألم، وهذا الكم من القلق، وهذا الكم من اليأس حول مستقبل البلاد… حتى هذا المستوى من اليأس لم يكن موجودًا خلال سنوات الحرب العراقية الإيرانية. على الرغم من جميع المشاكل التي حدثت خلال الحرب، وتقنين الحصص التموينية الذي حدث وقتها، كان هناك أمل، لأن الناس كانوا يؤمنون أن الحرب ستنتهي يومًا ما، لكن المشكلة الآن تشبه وجود مرض لا يمكن شفاؤه".

تثار مخاوف بشأن اتجاه إيران نحو الهاوية السياسية والاقتصادية وحتى البيئية، ويخشى المحللون من تجاهل هذه التحذيرات

متابعًا: "قد يصبح الوضع مثل العراق، مقايضة النفط مقابل الغذاء. يتقرب روحاني من المتشدّدين؛ أصبح مثل فريق الكرة الذي خسر المباراة الأولى 3-0 وليس لديه أمل في الفوز بالمباراة القادمة. أصبح بمثابة بطة عرجاء".

ويضيف زيبا كالام أن المجتمع الإيراني أدار ظهره لكلٍ من المحافظين والإصلاحيين، إذ لا يرى الناس أي احتمال للمصالحة مع الولايات المتحدة. ويعتقد أنه إذا أو بالأحرى عندما، يزداد الوضع سوءًا، سيزداد المتشددون قوة، ويعني هذا أن "الجزء غير المنتخب في المؤسسة الرسمية سيحصل على مزيد من السلطة".

ويقول علي أنصاري أستاذ التاريخ الإيراني في جامعة سانت أندروز، إن نتيجة الوضع الحالي "ستكون شيئًا مماثلًا لحكومة عسكرية. ما يحدث في إيران الآن ليس من أجل الديمقراطية، فالناس لا يهتفون للديمقراطية، بل يهتفون طلبًا للماء والخبز". مضيفًا أنه "في اضطرابات ما بعد الانتخابات عام 2009، كان الناس يقولون أين أصواتنا؟، ولكن هذا الأمر قد انتهى، ما يحدث الآن عبارة عن حديث أكثر جوهرية حول الكيان السياسي للبلاد، وهو أمرٌ أكثر وجودية".

اقرأ/ي أيضًا: هل يتحمل حسن روحاني مسؤولية أزمات إيران ومصائبها؟

ويضيف أن التفاؤل الذي ساد في مرحلة ما بعد الثورة، والذي ساعد الناس على خوض الحرب العراقية الإيرانية، أفسح المجال لحالة من اليأس، حين استُنزفت الموارد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

استمر فقدان العملة الإيرانية لقيمتها مقابل الدولار منذ الثورة الإسلامية عام 1979، حينما كان كل دولار يقابل 70 ريالًا. ولكن هذا الأسبوع، يتم مبادلة الدولار الواحد مقابل ما يصل إلى 75 ألف ريالٍ في وسط طهران.

يقول أنصاري إن روحاني رفع سقف التوقعات عندما أصبح رئيسًا لإيران في 2013، لكنه لم يستطع الوفاء بها. مضيفًا "يركز الجميع على ترامب، حسنًا ترامب مشكلة حقيقية، دعونا لا نسفه أمرها، ولكن في الواقع المشكلة الأكبر تتمثل في المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي".

ويتابع أن "الأولوية الرئيسية لخامنئي هي الثورة الإسلامية، وليس الجمهورية الإسلامية. لطالما اعتنق خامنئي وجهة النظر القائلة إنه يجب عليك إظهار القوة، لكن يأتي وقت وتسأل فيه ماذا يعني هذا؟ أظهر الأسد القوة في سوريا، لكن ما الذي يعنيه هذا له على المدى الطويل؟".

بالنسبة للإيرانيين العاديين، فالشعور باليأس واضح. يصف سام، محاضر جامعي يبلغ من العمر 26 عامًا من شيراز، محنة إيران بأنها "السكين التي  وصلت إلى العظم"، وهو مثل فارسي يعني القشة الأخيرة.

كان ماتين، الذي يبلغ من العمر 25 عامًا من أصفهان، ويكسب 115 دولارًا في الشهر من خلال العمل في جراحة الأسنان ويعيش مع والديه، أكثر تشاؤمًا، إذ قال "نحن ننحدر إلى أسفل الطريق، مثل فنزويلا".
 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: استراتيجية إدارة ترامب نحو إيران والتصعيد المحسوب

هل يكون نووي إيران ذريعة لتهور آخر في سياسة أمريكا العسكرية؟