01-نوفمبر-2017

نياز أزاديخا/ إيران

لا يقتصر دور الأدب على تقديم أعمالٍ قائمة بالدرجة الأولى على الخيال، بل يذهب أحيانًا بعيدًا عن ذلك ليوثّق أحداثًا مهمة وتغيّراتٍ جذرية في مجتمعات عدّة، ليفتح بذلك للقارئ نافذة على عوالم أخرى وحكاياتٍ يحاول البعض إبقاءها محصورة في مكان حدوثها، لكنّ الأدب يتيح للجميع إمكانية نقلها للآخرين في كل مكان وزمان.

نعرض هنا أربعة أعمال أدبية نقلت لنا صورة المجتمع الإيراني بعد الثورة الإسلامية.


1- سجينة طهران

لا تقدّم الكاتبة الإيرانية مارينا نعمت (1965) كتابها "سجينة طهران" (كلمات عربية للترجمة والنشر 2011، ترجمة سهى الشامي) على أنّهُ رواية، إنّما مذكّرات شخصية تروي من خلالها فصولًا من حياتها، بدايًة من طفولتِها، مرورًا بمعايشتِها لثورة الخُمَيني التي أطاحت بنظام الشاه آنذاك، منتهية بسرد تفاصيل اعتقالها في سجن إيفين برفقة المئات من معارضي حكم الخميني في تلك الفترة. وقد رصدت مارينا نعمت في كتابها أهم التحوّلات التي ساهمت في تغيير بنية المجتمع الإيراني بعد الثورة، وإنتاج مجتمع آخر يقوم بالدرجة الأولى على القمع كوسيلةٍ لتثبيت وتمكين نظام الخُميني في الحكم، مُعتمدًا أيضًا على تهميش بقية الأحزاب والحركات التي ساهمت في تلك الثورة وإعدام أفرادها.

ولعلّ المرحلة الأبرز التي تناولتها مارينا نعمت في كتابها كانت مرحلة اعتقالها نتيجة معارضتها للحكم الإسلامي، وتمرّدها على ما كان مفروضًا على غير المُسلمين، كونها مسيحية، واستياءها من ترويج بعض المُعلِّمات في المدرسة للثورة الإسلامية وقائدها، بالإضافة إلى مسؤوليّتِها عن الإضراب الذي نفّذهُ الطلاب آنذاك. وبذلك شكّلت مارينا نعمت سببًا رئيسيًا لاعتقالها وإصدار حكم الإعدام بحقّها، والذي أُلغيَّ لاحقًا بطلب من علي، الذي حقّق معها في بداية اعتقالِها، وأجبرها بعد ذلك على الزواج منه بعد تهديده لها بحياة والديها، وقُتِلَ فيما بعد نتيجة صراعاتٍ بينه وبين آخرون داخل السجن. وتُنهي نعمت روايتها بالخروج من إيران برفقة حبيبها السابق بعد خروجها من السجن بأمرٍ من الخُميني ذاتهِ وبطلبٍ من والد علي.

سجينة ظهران

2- رجم ثريا

يستند الصحفي الفرنسي ذو الأصول الإيرانية فريدون صاحب جم (1933) في روايته "رجم ثريا" (كلمات عربية للترجمة 2011، ترجمة إيناس المغربي) إلى أحداث ووقائع حقيقية جرت في قرية كوباي الإيرانية في بداية مرحلة توطيد الخُميني لحكمه في إيران بعد اطاحته بنظام الشاه، مسلّطًا بذلك الضوء على العنف الذكوري الذي انتشر في المجتمع الإيراني، وسلطة رجال الدين واسعة النفوذ كونهم يمثّلون شخص الخُميني في المدن والقرى المتواجدين بها، بغض النظر عن ماضيهم وما كانوا عليه قبل الثورة.

تقوم الرواية بالدرجة الأولى على حكاية ثريا التي تقع ضحية ذكورية المجتمع وغياب الرقيب، مقدّمًة نموذجًا عمّا تتعرّض لهُ النساء الايرانيات من عنف قائمٍ على ما يمنحَهُ النظام الأصولي من صلاحياتٍ للرجال وتغييب تامٍ لحقوق المرأة، من خلال شخصية علي، زوج ثريا، الذي يتّهمها بممارسة الزنا مع زوج صديقتها أثناء رعايتها لطفله بعد وفاة زوجته، محاولًا بذلك التخلّص منها بعد رفضها الطلاق منه ما لم يتكفّل بإعالة ابنتيه، مُستعينًا بالملا حسن الذي يقف في صفّهِ بعد أن هدّدهُ بفضح حقيقة أنّهُ كان سجينًا جنائيًا قبل الثورة، بالإضافة إلى شهادة هاشم، زوج صديقة ثريا، التي مكّنت علي من إقناع سكّان القرية ومحافظها بأنّ زوجته قامت بخيانته، والذي حكم بدوره على ثريا، وفق الشريعة الإسلامية التي رسّخها الخميني، بالرجم حتى الموت.

رجم ثريا

3- أن تقرأ لوليتا في طهران

في روايتها "أن تقرأ لوليتا في طهران" (منشورات الجمل 2009، ترجمة ريم قيس كبة) تقدّم الكاتبة آذار نفيسي (1955) صورة موسّعة عن إيران في الفترة ما بين 1978-1981، من خلال سردها لتفاصيل حياتها اليومية في طهران آنذاك، وصراعها المستمر مع السلطات التي فرضت عليها، كما كل الايرانيات، ارتداء الحجاب، ومن ثمّ منعها من تدريس الأدب الإنجليزي لأنه -حسب رأيهم- مخلٌّ بالآداب ويشجّع القرّاء على ممارسة الرذيلة.

تُشدّد آذار نفيسي في روايتها على أهمية القراءة، وتعرية خوف السلطة الدكتاتورية الدينية منها، لأنها قادرة على تشكيل وعي سياسي وثقافي لدى القرّاء، ما يؤسس لظهور طبقة راغبة في التحرر من القيود التي فرضتها، وتُعارض أساليب حكمها الدكتاتوريّة، الأمر الذي دفع السلطة لحظر الكتب والروايات العالمية وتشديد الرقابة عليها، مُلغيًة بذلك حق الإيرانيين في الانفتاح على عوالم أخرى. إلا أنّ آذار نفيسي قرّرت مواجهة الرقابة من خلال إنشاء نادي قراءة في منزلها سرًّا برفقة عددٍ من طالباتها، وتصفُ الكاتبة ذلك النادي بأنّه المكان الوحيد الذي تمكّنت داخله، برفقة طالباتها، بالشعور بالحرية وقدرتها على قراءة ومناقشة الأعمال الأدبية الذي مُنعت من تدريسها.

أن تقرأ لوليتا في طهران

4- إيران تستيقظ.. مذكرات الثورة والأمل

تقدّم الكاتبة والناشطة والإيرانية شيرين عبادي في مذكّراتِها الشخصية "إيران تستيقظ، مذكّرات الثورة والأمل" (دار الساقي 2009، ترجمة حسام عيتاني) صورة موسّعة عن وضع المرأة الإيرانية بعد الثورة، من خلال سردها لتفاصيل وأحداث تُظهر للقارئ مدى تهميش السلطات الدينية لها في المجتمع، والذي وصلَ آنذاك إلى حدّ منعها من مزاولة العمل السياسي والقضائي وعدّة وظائف أخرى بحجّة أنّ المرأة غير مؤهلة للقيام بذلك، إذ إنّ الكاتبة ذاتها عايشت هذا الأمر بشكلٍ شخصي عندما أُعفيت من رئاسة إحدى المحاكم، وعيّنت بعد ذلك في وظيفة إدارية في المحكمة ذاتها.

هذا الأمر، بالإضافة إلى فرض الحجاب، دفع شيرين للوقوف ضد الثورة التي كانت تعمل على تغيير بنية المجتمع الإيراني بما يتناسب مع مصالحها وبقائها على رأس السلطة، مستخدمة من أجل ذلك كل الوسائل المتاحة لها، ومُخيبة آمال الإيرانيين الذين رأوا فيها خلاصًا من الحكم الملكي، وبداية لحكم جمهوري يؤسس لدولة ديمقراطية تمكنهم من تقرير مصيرهم بأنفسهم.

إيران تستيقظ

اقرأ/ي أيضًا:

جعفر مدرس صادقي.. كوابيس نهر "زاينده"

فيروزة دوماس.. "خنده دار" بالفارسية