07-يوليو-2023
لم تحدث تغيرات كبيرة في خارطة المعارك، واعترف القادة الأوكرانيون ببطء هجومهم المضاد (GETTY)

لم تحدث تغيرات كبيرة في خارطة المعارك، واعترف القادة الأوكران ببطء هجومهم المضاد (GETTY)

بعد شهر من بداية الهجوم الأوكراني المضاد، لم تحدث اختلافات كبيرة في خارطة المعارك على الأرض، واعترف القادة الأوكران ببطء الهجوم المضاد، وهو ما يطرح أسئلة حول الخطة المتبعة، وقدرة أوكرانيا لتحقيق اختراق كما حدث في هجوم الخريف من العام الماضي، أن أن ما يحصل حاليًا، في طريقة للتحول إلى حرب استنزاف طويلة.

رغم بطء الهجوم الأوكراني المضاد، إلا أن القيادة الأوكرانية لم تغير من أهدافها، وهي حسم المعركة واستعادة المناطق المحتلة 

وعلى الرغم من بطء الهجوم المضاد، إلا أن القيادة الأوكرانية لم تغير من أهدافها، وهي حسم المعركة واستعادة الأراضي المحتلة، وتقول القوات الأوكرانية إنها تمكنت من تحقيق نجاح جزئي، وتحرير نحو 100 كلم مربع من الأراضي، في جنوب مدينة باخموت، وأطراف مدينة زاباروجيا، حيث تشهد تصعيدًا عسكريًا كبيرًا بالقرب من بيرديانسك وميليتوبول، وسط نفيٍ روسيٍ.

هجوم على الهجوم المضاد

في المقابل، كان يتعين على القوات الأوكرانية مواجهة الهجمات الروسية حول كريمينا، في منطقة لوغانسك، وفي غابة سيريبريانسكي، شمال باخموت في منطقة دونيتسك.

ولم يتوقف الأمر عند هذه المناطق، فقد أعلنت القوات الروسية، أنها تتقدم في أربع مناطق على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، حيث تدور معارك في أفدييفكا، وماريينكا، وليمان، وفي قطاع سفاتوفو.

ومن سير المعارك يبدو أن القوات الأوكرانية، لا تزال بعيدة بأميال من الخط الدفاع الروسي الرئيسي، الذي من المتوقع أن يشهد المعارك الأكثر قسوة.

من

خطوط الدفاع الروسية

في مقال لخبير الحرب البرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة جاك واتلينج، أشار إلى أن القوات الأوكرانية لا تزال على بعد 20 كم من خط الدفاع الروسي الرئيسي، حيث تشق طريقها عبر مواقع دفاعية روسية تتكون من خنادق محفورة يدويًا، مدعومة بحقول ألغام وتحميها طائرات مُسيّرة والمدفعية، بالإضافة لمواقع إطلاق النار المعززة بالخرسانة، وعوائق الدبابات، والكابلات الموضوعة على الأرض لتنسيق ضربات المدفعية، وحتى المزيد من الألغام، وخلف ذلك توجد مواقع القتال الاحتياطية لخط الدفاع الثالث.

حقول الألغام الفتاكة

ومع توغل القوات الأوكرانية بشكل أعمق في الدفاعات، فإنها ستدخل في نطاق مواقع إطلاق نيران المدفعية الروسية. وعلاوة على ذلك، ستصبح خطوط التقدم الأوكرانية مكشوفة أكثر، حيث سيتم تغطيتها بعدد أقل من الدفاعات الجوية، ومن المرجح أن تتعرض لهجوم أكبر من قبل الطيران الروسي. كما يتعين على القوات الأوكرانية العمل بحذر أكثر وسط حقول الألغام المنتشرة بكثافة، وهو أحد أكبر العوائق التي تعطل الهجوم الأوكراني المضاد.

وفي هذا السياق، يقول قائد فرقة المتفجرات في الجيش الأوكراني بالقرب من باخموت لشبكة "BBC": نحن "نتعلم الارتجال، وابتكار طرق لعمل ممرات سريعة وآمنة عبر حقول الألغام، لكننا نقاتل عدوًا شرسًا للغاية".

دبابات ليوبارد2 تعرضت لنسبة مع بداية الهجوم المضاد

خط سوروفيكين

في تقريرٍ سابقٍ عن التكتيكات الروسية، قال واتلينج إن "سلاح الهندسة الروسي أثبتت أنه واحد من أقوى فروع الجيش الروسي"، وأضاف: "المهندسون الروس كانوا يقومون ببناء عقبات معقدة، وتحصينات ميدانية عبر الخطوط الأمامية، وأن الدفاعات الروسية تشكل تحديًا تكتيكيًا كبيرًا للعمليات الهجومية الأوكرانية".

وهذا ما يفسر تعرض الجيش الأوكراني لخسائر في مدرعاته الثمينة من طراز "ليوبارد2" في بداية الهجوم المضاد، بسبب ما يعرف بـ"خط سوروفيكين" الروسي المحصن ببحر من الألغام المضادة للدبابات.

ووفق تقديرات عسكرية، فإن هذه الخطوط الدفاعية الضخمة قامت روسيا بتأسيسها على معظم جبهات القتال، وخطوط التماس، وهي محاطة ببحر من الألغام، خلفت "مقبرة للدبابات الغربية".

ويطلق على أهم تلك الخطوط الدفاعية، وهو خط الدفاع الثالث اسم الجنرال سيرغي سوروفيكين، القائد السابق للقوات الروسية بأوكرانيا، والذي تم تعيينه في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، نائبًا لما تطلق عليه روسيا "العملية الخاصة في أوكرانيا"، وتقول مصادر  إعلامية روسية إنه تم اعتقاله مؤخرًا،  بعد فشل محاولة التمرد التي قادتها وحدات "فاغنر" ضد القيادة العسكرية الروسية.

ويتكون الخط من هياكل دفاعية خرسانية هرمية مضادة للدبابات، تعرف باسم "أنياب التنين" لمنع القوات الأوكرانية من التقدم في جبهات زاباروجيا، وخيرسون، وماريوبول، ونيكولسكي، فضلًا عن لوغانسك، وهولا بريستان، جنوبي خيرسون.

وتم تجهيز الخط وتحصينه من الخارج بحقول من الألغام، والخنادق المضادة للدبابات، لحماية "الجسر البري" الروسي المؤدي إلى شبه جزيرة القرم.

ويعتمد الخط على شبكة نقل وخدمات لوجيستية متطورة ذات محاور وقواعد خلفية، تسمح طرقه القصيرة للقوات بنقل الاحتياطيات بسرعة من قطاع إلى آخر دون المساس بالاستعداد القتالي في الجبهات، وهو مدعوم بمجموعة قوية من المدافع والصواريخ والمدفعية والقوات المحمولة جوًا، ومروحيات "كاموف كا-50" الهجومية المعروفة باسم "التمساح".

وشّكل هذا الخط الدفاعي الروسي عقبة حقيقية وكبيرة أمام آلاف الجنود والمدرعات التي تم القضاء عليها فجأة على خط التماس في مواجهة الجيش الروسي، وفقًا لما تنقله وسائل الإعلام الروسية.

ينسب خط الدفاع الروسي الثالث للجنرال سيرغي سوروفيكين

نهج روسي جديد

في تقييم لجهاز المخابرات البريطانية، لمجريات الحرب في أوكرانيا، اعترف أن روسيا حسَّنت استراتيجياتها لعرقلة الهجوم المضاد الأوكراني في المنطقة الجنوبية من أوكرانيا.

وجاء في التقييم الذي نشر في 4 تموز /يوليو 2023، أن "موسكو ركزت على التكتيكات لعرقلة عمليات الهجوم المضاد الأوكراني في جنوب أوكرانيا خلال الأسابيع القليلة الماضية"، ولاحظ جهاز المخابرات البريطاني أن "روسيا استخدمت بكثافة الألغام المضادة للدبابات في ساحة المعركة كجزء من تكتيكاتها"، وتشير حقول الألغام الكثيفة في مناطق محددة إلى أن "القوات الروسية اختارت تجاوز الحدود الموضوعة في العقيدة العسكرية الروسية، وبدأت تطوير أساليب جديدة".

وأفاد جهاز المخابرات بأنه في أعقاب نجاح موسكو في إبطاء الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية، حاولت روسيا استهداف المركبات المدرعة الأوكرانية باستخدام مزيج من الطائرات المُسيّرة والمروحيات الهجومية والمدفعية.

في خضم الهجوم المضاد المستمر للقوات المسلحة الأوكرانية، بذلت روسيا جهودًا كبيرة لتعزيز وتعديل تكتيكاتها، متناقضة بشكل صارخ مع نهجها الأوَّلي خلال المراحل الأولى من الحرب، حيث تكبدت خسائر كبيرة، وفق ما جاء في التقييم.

تتقدم القوات الأوكرانية في المنطقة الجنوبية من باموت

الخطة الأوكرانية

بالنظر إلى هذه التهديدات التي يوجهها الجيش الأوكراني، فهو حاليًا عليه تحقيق ثلاثة نقاط، كما يقول الخبير واتلينج. أولًا، هناك تبادل للقصف المكثف ببطاريات الصواريخ المضادة، حيث يحاول كلا الجانبين ضرب الأنظمة اللوجستية، ومراكز القيادة والسيطرة والاستطلاع، الروس يستهدفون المدفعية الأوكرانية بطائرات "ZALA Lancet" المُسيّرة، في حين يستخدم الأوكران صواريخ "Storm Shadow" البريطانية، وصواريخ "GMLRS" الأمريكية، لمحاولة تدمير مراكز القيادة والسيطرة، ومخزونات الذخيرة الروسية.

ثانيًا، يحاول الجيش الأوكراني، حمل الروس على نقل القوات من خط الدفاع الثالث لتعزيز القطاعات الواقعة تحت الضغط، وبمجرد سحب هذه القوات إلى الأمام، سيصبح من السهل تحديد نقاط الضعف في الخطوط الروسية.

ثالثًا، يحاول الجيش الأوكراني ممارسة الضغط عبر الجبهة للتقدم عبر الخط الأول من الدفاعات على أوسع نطاق ممكن، والسبب في ذلك هو زيادة الخيارات لمهاجمة خط الدفاع الرئيسي، وإبقاء القوات الروسية في حيرة من أمرها، من المكان الذي سيتم منه إطلاق الجهد الرئيسي للهجوم، وبالإضافة لذلك، مثل هذه الجبهة الطويلة، فإن تمدد القوات الروسية يحد من قدرتها، على تجميع وحداتها في العمق، وتغير تموضعها نحو الأمام، وهو ما سيسهل تحديد نقاط الضعف في الخطوط الروسية، لمحاولة اختراقها.

حرب طويلة الأمد

بناءً على المعطيات السابقة، فإن التقديرات تدور حول حرب استنزاف طويلة، في حال استمرار الهجوم بشكل القائم حاليًا، إلّا في حال تكثيف المعلومات الاستخبارية الأمريكية، بالإضافة لتقديم الولايات المتحدة لأعداد كبيرة من دبابات "أبرامز" لأوكرانيا، حيث تمتلك منها نحو 8 آلاف دبابة من بينها 3 آلاف في الاحتياط، وطائرات "F16"، لكي تستطيع مواجهة التفوق الجوي الروسي.

وفي هذا الإطار، طالب رئيس أركان الجيش الأوكراني الجنرال فاليري زالوجني، في مقابلة مع صحيفة "الواشنطن بوست"، الغرب بإمداد قواته بمزيد من الأسلحة، محذرًا من أن عدم حصولهم على مقاتلات وقذائف مدفعية يعرقل خطط أوكرانيا للمضي قدمًا في هجومها المضاد، وقال للصحيفة الأمريكية: "لست بحاجة إلى 120 طائرة، لن أهدد العالم بأسره، يكفي أعداد محدودة للغاية".

ونقلت "الواشنطن بوست" عن زالوجني، امتعاضه حيال بطء إيصال الأسلحة التي وعد الغرب بها أوكرانيا، موضحًا أن حلفاء بلاده الغربيين ما كانوا ليقوموا بإطلاق أي هجوم لا يضمنون فيه تفوقهم الجوي، في حين ما زالت أوكرانيا تنتظر تسلم مقاتلات "F16" التي وعدها بها الحلفاء.

كما اعترف القائد العسكري الأوكراني، بأن جيشه يملك عددًا ضئيلًا من قذائف المدفعية بالمقارنة مع سيل القذائف التي تطلقها روسيا، وأعرب عن أسفه لأن التأخير في إرسال هذه المعدات والذخائر إلى جيشه تعتبر "قاتلة"، وقال: "إلى حين اتخاذ هذا القرار، يموت الكثير من الناس كل يوم، فقط لأن القرار لم يتخذ بعد".

زكي وزكية الصناعي

من جانبه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مقابلة مع شبكة "بي بي سي"، إنه لن يأمر جيشه بالقيام بهجمات لمجرد تلبية مطالب الغرب بإحراز تقدم على الجبهة.

وأوضح زيلينسكي: "يعتقد بعض الناس أن هذا فيلم من أفلام هوليوود ويتوقعون النتائج الآن. ليست كذلك.. ما هو على المحك هو حياة الناس. مهما كان ما قد يريده البعض، بما في ذلك محاولات الضغط علينا سنتقدم في ساحة المعركة بالطريقة التي نراها أفضل".

وهنا يشار إلى أن القيادة العسكرية الأوكرانية أنشأت 12 لواءً للهجوم المضاد، تم تجهيز 9 ألوية منها من قِبل الغرب، لكن يُعتقد أنه تم نقل 3 ألوية فقط إلى الجبهة، مما يعني أنه ما زال لدى كييف احتياطات إضافية يمكن الدفع بها.

زيلينسكي: "يعتقد بعض الناس أن هذا فيلم من أفلام هوليوود ويتوقعون النتائج الآن. ليست كذلك.. ما هو على المحك هو حياة الناس. مهما كان ما قد يريده البعض، بما في ذلك محاولات الضغط علينا سنتقدم في ساحة المعركة بالطريقة التي نراها أفضل"

وسيشتد القتال مع تحرك القوات الأوكرانية لاختراق الدفاعات الروسية، وقال معهد دراسات الحرب الأمريكي الأسبوع الماضي إن "العمليات الهجومية المضادة الأولية في أوكرانيا قد تكون الأصعب والأبطأ، لأنها تنطوي على اختراق مواقع دفاعية جاهزة"، وأضاف المعهد أن "الانتكاسات الأولية متوقعة" وأن "هذه المرحلة قد تشهد أيضًا خسائر أكبر في صفوف القوات الأوكرانية"، وتابع المركز أن "الجيوش حددت منذ فترة طويلة مرحلة اختراق الدفاعات بأنها الأكثر خطورة وتكلفة".