06-ديسمبر-2017

من القمة الخليجية (جيوزيبي كاكاثي/أ.ف.ب)

تمثيل منخفض لدول الحصار، وتقليص مدة الانعقاد ليوم واحد، وجلسة ختامية مغلقة دامت عشرين دقيقة فقط، فبيان ختامي باهت استرسل في الإنشائيات متجاهلًا الأزمة الخليجية ذاتها، هي نتيجة أول قمة خليجية منذ حصار قطر قبل حوالي ستة أشهر. احتضنت الكويت الوسيطة هذه القمة انطلاقًا من دورها في هذه الأزمة، إذ كانت تأمل أن تحقق من خلالها اختراقات ما، خاصة في صفوف دول الحصار من أجل رأب الصدع في الكيان الخليجي المتهالك. وبينما كان المتابعون ينتظرون بشغف حرارة جلسات هذه القمة ومخرجاتها، إلا أنها كانت، بالنهاية، قمة غلب البرود والجفاء على مجرياتها، ولعلّ مقتل المخلوع صالح قبل يوم من انعقادها، قد زاد في لفت الأنظار أكثر بعيدًا عنها.

غلب البرود والجفاء على مجريات القمة الخليجية الأخيرة وقد زاد مقتل المخلوع صالح قبل يوم من انعقادها، في لفت الأنظار عنها أكثر

اقرأ/ي أيضًا: غضب كويتي من سلوك دول الحصار في قمة الخليج وإشادة بأمير قطر

العلاقات الثنائية تعلو على العمل الجماعي

أكدت القمة في البداية فشل مجلس التعاون الخليجي في احتواء الأزمة الخليجية، وبذلك في انهيار، يُؤمل أن يكون وقتيًا لا أبديًا، لمنظومة العمل الجماعي وبالخصوص فيما يتعلّق بفض النزاعات بين أعضاء المجلس، وذلك رغم التزويق والإنشائيات في البيان الختامي الذي دعا إلى "تعزيز العمل الجماعي لمواجهة جميع التحديات" و"مواصلة العمل لتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس"، مع التأكيد على "تمسك مجلس التعاون الخليجي بما يحقق المصالح المشتركة لدوله وشعوبه". حيث لا تنفي هذه الدعوات والتأكيدات التنظيرية، والتي تخالفها في النهاية الممارسات الظاهرة خارج غرفة صياغة البيان، على سيطرة العلاقات الثنائية والمحاور في تنظيم العلاقات الخليجية، بما يجعل من مجلس التعاون مجرّد بيت جامع للقاء القادة لتأكيد المؤكد كل سنة، وذلك على غرار القمم العربية.

وتُطرح، في هذا الجانب، مسألة الإصلاحات الوظيفية والهيكلية في مجلس التعاون الخليجي، وإن كانت الإخلالات في هذا المجلس ليست السبب في انكفائه، وفي عدم قدرته على حل الأزمة والتي تعود في حقيقتها لسيطرة منطق الغلبة لدى بعض الأعضاء. إذ لم يكن الارتداد عن المجلس إلا من الدول التي قررت تجاوز أطره لتحقيق مآربها. وقد مثّلَ اللجوء للحصار دليلًا على مرور هذه الدول للسرعة القصوى في تنفيذ هذه المآرب، كما كشفت الأشهر الأخيرة المخططات لتقويض نظام الحكم في دولة خليجية من دولٍ خليجية مجاورة لها. وفي هذا السياق يكون من اللهو الحديث عن العمل الجماعي وآمال تأسيس اتحاد خليجي أو كونفيدرالية، أو الدفع على الأقل نحو إصلاحات جديّة في مجلس التعاون بمنحه صلاحيات تقريرية في بعض المجالات، أو توسيع دائرة التكامل خاصة في المجال الاقتصادي. ليظلّ السؤال حول أي آفاق ظلّت لمجلس التعاون الخليجي في المستقبل؟

أكدت القمة فشل مجلس التعاون في احتواء الأزمة الخليجية وضعف منظومة العمل الجماعي مقابل سيطرة العلاقات الثنائية والمحاور

هل الموقف السعودي أقل ليونة من بقية دول الحصار؟

في الأثناء، كان من المنتظر أن يشارك الملك سلمان بن عبد العزيز في القمّة، وهو ما كان سيمثّل أولاً تجاوزًا لمبدأ المقاطعة على مستوى القيادة خاصة وأنه معلوم حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وثانيًا إنجازًا كويتيًا لتدعيم وساطتها ودفعها. غير أنّه غاب الملك سلمان في الساعات الأخيرة، وهو ما خلق استياء كويتيًا خاصة على المستوى الشعبي، فيما ظهر بخسًا لمجهودات أميرهم منذ أشهر لترتيب البيت الخليجي. ولكن، في الأثناء، يمثل مبدأ قبول الملك السعودي حضور القمة بغض النظر عن عدم حصول ذلك من أصله، عنصرًا لافتًا للانتباه من زاوية التباين في التعامل مع الأزمة بين دول الحصار. إذ أعلنت الإمارات والبحرين منذ البداية مشاركة منخفضة التمثيل لا ترتقي حتى لمستوى وزراء الخارجية، وفي المقابل، كانت السلطات الكويتية حتى آخر يوم قبل انعقاد القمّة تنتظر زيارة الملك سلمان.

هل يتعلّق الأمر بقابلية سعودية لتجاوز القطيعة على الأقل في الكيان الحاضن المؤسس منذ زهاء ثلاثة عقود مقابل تعنت إماراتي بحريني؟ يصعب الجزم بصفة مطلقة بذلك، بيد أن عنصر التمثيل السعودي في القمة بين ما هو مُعلن ومؤمّل من جهة أي حضور الملك، وبين ما هو كائن ومحقّق من جهة أخرى غياب الملك مقابل حضور وزير الخارجية وجلوسه على طاولة واحدة مع أمير قطر مقابل غياب وزيري خارجية الإمارات والبحرين، قد يمثّل مؤشرًا مستجدّا حول الليونة السعودية لحل الأزمة مقابل تعنت بقية دول الحصار وتحديدًا الإمارات التي تقود جوقة المحاصرين دبلوماسيًا وإعلاميًا، وتبذل أكثف الجهود خاصة مع اللوبيات الناشطة في الولايات المتحدة لتضييق الخناق على قطر ومحاولة إخضاعها للإملاءات المعلنة.

حيث رغم أن الأمر لم يتمكّن بعد لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، فإن استطالة الأزمة مع قطر ستزيد من تضييق هامش التحركات السعودية لمواجهة تصاعد النفوذ الإيراني، فمؤخرًا تراجعت الرياض خطوة للوراء مكرهة في لبنان، كما زادت المخاطر عليها جنوبًا من اليمن، وهي التي خسرت علي عبد الله صالح حليفها الخفيّ الذي كانت تعوّل عليه لإسقاط الحوثيين. في خضم ذلك، أصبحت الأزمة مع قطر عبئًا على السعودية بالمعنى السياسي والاقتصادي، أكثر من البحرين وقبلها الإمارات التي تبدو كرأس الحربة في الحصار.

أصبحت الأزمة مع قطر عبئًا على السعودية بالمعنى السياسي وقبله الاقتصادي، أكثر من البحرين وتحديدًا الإمارات التي تبدو كرأس الحربة في الحصار

اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان يستنجد بصالح.. ورطة جديدة وطعنة مرتقبة من الخلف

هل تأكد دخول الأزمة مرحلة الجمود؟

كان السؤال قبل أسابيع هل ستنعقد القمة الخليجية أم لا، وكان غالباً يعوّل حامل السؤال على القمة لمعالجة الأزمة التي تعصف بالخليج منذ ستة أشهر، والآن وقد انعقدت القمّة بالتمثيل الضعيف للأعضاء وببيانها الإنشائي، هل من جديد لحلّ الأزمة؟ يكفي القول أن البيان الختامي لم يتعرّض ولو بكلمة واحدة للأزمة حتى يتأكد أن القمّة هي مجرّد حدث في أجندة سنوية تمّ عقده، فلا يمكن أن نتحدث حتى على متابعة لما بعدها، على الأقل فيما تمخّض عن بيانها المذكور.

لتؤكد القمّة الباهتة أن الأزمة الخليجية دخلت مرحلة الجمود، في ظلّ عجز مجهودات الوساطة الكويتية على تحقيق اختراق في ظلّ تعنّت دول الحصار، وفي ظلّ تصاعد حرارة الملفات الحارقة في المنطقة خاصة في اليمن، وكذلك انطلاق مفاوضات الحل النهائي في سوريا إضافة للصراع المفتوح الذي يخوضه ابن سلمان في سبيل صعوده للعرش، لتُركن الأزمة الخليجية على الأقل في غير الواجهة كنار هادئة لا تلفت الانتباه كما السابق. ولعلّ استدامة الأزمة هو خيار من دول الحصار في البداية، كما توعّد الوزير الإماراتي أنور قرقاش في وقت سابق بأن الأزمة ستطول.

رغم كلّ ذلك، حملت القمة القليل ممّا لا يجب التغافل عنه، وهو قبول أعضاء مجلس التعاون الستة الجلوس على طاولة واحدة وأخذ صورة مشتركة وذلك بغض النظر عن مستوى التمثيل، حيث وإن كان المحصّل هو من البديهي، فإن الأزمة العاصفة قلبت الأوضاع، وجعلت من العادي استثنائيًا بالمعايير المستجدّة، والبعد الرمزي عبر اللقاء في مكان واحد يعني أن القطيعة ليست مطلقة وأن حبال البيت الخليجي قابلة للتّرميم.

من جانب آخر، دعا البيان النهائي الكتّاب والمفكرين ووسائل الإعلام في دول مجلس التعاون إلى "تحمل مسؤوليتهم أمام المواطن، والقيام بدور بنّاء وفاعل لدعم وتعزيز مسيرة مجلس التعاون الخليجي"، وهي خطوة إيجابية قد تكشف في خفاياها اتفاقًا ضمنيًا على إيقاف الحملات الإعلامية خاصة الصادرة عن دول الحصار تجاه قطر، وهو ما قد يكون بداية لمسار طويل لحلّ الأزمة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

وزير خارجية قطر من منتدى دراسات الخليج: لن نكون معول هدم مجلس التعاون

منتدى دراسات الخليج والجزيرة العربية يبحث الأزمة الخليجية وسياقاتها الإقليمية