03-ديسمبر-2017

تورط السعودية في اليمن يدفعها للاستنجاد بعلي عبدالله صالح الذي كانت تحاربه (أ.ف.ب)

بعد سنوات من المؤامرات التي انتهت بحرب شاملة وكارثة إنسانية بشهادة دولية، تعود بلاد اليمن إلى "يمن آل صالح"، بنفوذ الوالد والولد علي عبدالله صالح ونجله أحمد. هكذا أرادت أبوظبي ونفذت، ومن خلفها المتهور محمد بن سلمان، يلهث وراء أي فرصة للخروج بشكل مشرف بعد الفضائح المتتالية التي مني بها في حرب اليمن ضد الحوثيين وقوات صالح.

تحول علي عبدالله صالح بالنسبة لأبوظبي والرياض من رئيس مخلوع ومنقلب على الشرعية، إلى "رئيس سابق" وصاحب "انتفاضة مباركة"! 

وبين ليلة وضحاها تغيرت لهجة العسكريين والإعلاميين والسياسيين، وبدلًا من تلقيب علي عبدالله صالح بالرئيس المخلوع والمنقلب على الشرعية -المتمثلة في الرئيس عبدربه هادي منصور- تحول إلى "رئيس سابق"، وقد يكون غدًا زعيمًا ملهمًا يقود في الخفاء نجله أحمد علي، الذي تدفعه أبوظبي لحكم اليمن المُقسّم. حتى أن التحالف السعودي، اعتبر الاشتباكات التي تشهدها صنعاء بين قوات صالح والحوثيين، "انتفاضة مباركة"، دعت اليمنيين لدعمها، أي دعم "انتفاضة صالح"!

وبعد ساعات من اشتباكات دارت بين قواته وقوات الحوثيين الذين كانوا حلفاءه، تصدر صالح ونجله أحمد صالح المقيم في أبوظبي، المشهد السياسي في اليمن. ووفقًا لوسائل الإعلام الإماراتية والسعودية، وبيانات حزب المؤتمر الشعبي التابع لصالح، فقد انتصرت قواته على الحوثيين، لكن وسائل الإعلام المقربة من الحوثيين قللت مما تم تداوله عن إسقاط صنعاء في أيدي قوات صالح.

اقرأ/ي أيضًا: ابن سلمان يستخدم سلاح المجاعة لتدمير اليمن.. نازيّة جديدة والجوقة تصفّق!

وصباح اليوم الأحد، رد الحوثيون بصاروخ على منزل على عبد الله صالح شمال شرقي صنعاء. وقال الحوثيون إنهم أطلقوا صاروخًا باتجاه الإمارات، لكن السلطات الإماراتية نفت إصابته أراضيها.

وفيما يخص "العميد الركن" أحمد علي عبدالله صالح، فإن الحديث عنه ليس بجديد، وقد سبق وطُرح اسمه بين الحين والآخر، برعاية أبوظبي، التي تدفع لتصعيده في اليمن، فيما يُشبه عملية توريث غير مباشرة. ويبدو أن محاولة الدفع والتصعيد هذه، توافق عليه سعودية محمد بن سلمان، في سياق سعيها للخروج من النفق المظلم الذي ورطت نفسها فيه باليمن.

الإمارات وصالح الصغير

الروح الثورية ورفض الفساد والتحقيق في العقود الحكومية السابقة عقب ثورة الشباب 2011، مجموعة عوامل ساهمت في تشكيل حملة ضغط على السلطات اليمنية لمراجعة اتفاقية وقعت في 2008 بين موانئ دبي والحكومة اليمنية في عهد علي عبدالله صالح، تمنح الإمارات حق إدارة ميناء عدن الاستراتيجي في اليمن، ما دفع الحكومة اليمنية الجديدة في عام 2012، إلى إلغاء الاتفاقية بسبب التدمير المتعمد من الإمارات للميناء.

تلك الحالة من رفض الفساد والحفاظ على الموارد اليمنية لم تكن لترضي الإمارات التي تسعى بكل شكل من الأشكال للسيطرة على ميناء عدن والمدن الاستراتيجية المحيطة به مثل بلدة ذباب، لدعم الطموح السياسي والعسكري المبالغ فيه للإمارات، لحد اعتبار اليمن أرضًا مباحة لفعل أي شيء فيها كما كشف موقع جاينز البريطاني المتخصص في الشؤون العسكرية في شباط/فبراير الماضي، عن بدء بناء الإمارات لقاعدة عسكرية لها في جزيرة ميون القريبة من مضيق باب المندب، كما حولت ميناء المخا القريب من باب المندب إلى ثكنة عسكرية يمنع دخول السفن التجارية ويسمح فقط بتواجد سفن الإمارات العسكرية، ومن قبل قامت الإمارات بأكبر عملية إنزال برمائي في الشرق الأوسط بعد حرب الخليج الأولى 1991، وفقًا لبعض التقديرات، لتعيد به السيطرة على الميناء اليمني من جديد، وبعض المدن الاستراتيجية. 

ظهرت خطة الإمارات في تدمير الميناء، مع رفض دخول بعض السفن الأجنبية، وكذلك دعم الانفصالين الجنوبيين، كما أسست لسجون سرية في اليمن بغطاء أمريكي. وبحسب المعلومات التي أوردتها وكالة أسوشيتد برس، فإن السجون تشهد حالات تعذيب وحشية تصل إلى حد "شواء" السجين على النار.

كما يتضح إذن، فاستمرار المصالح الإماراتية مرتبط باستمرار حالة الانقسام الداخلي بين القبائل والقوى السياسية كل على حدة. وكذلك على المستوى الجغرافي (شمال وجنوب) اليمن، إلى جانب مواجهة الأفكار الثورية واستمرار حكومة فاسدة تُبقي على المصالح الإماراتية، بغض النظر عن حقوق اليمنيين، وهو ما دفع الإمارات لإقناع السعودية لترتيبات الصفقة الكارثية التي كُشف عنها منذ تموز/يوليو الماضي

وتدور الصفقة حول إعادة تشكيل اليمن على أن يكون على رأسه نظام خاضع للسيطرة السعودية والإماراتية، بلا طموحات ثورية ضد الفساد أو حكم مستقل، ويتمثل ذلك الحل في صالح الصغير أو أحمد علي عبدالله صالح، الذي سيكون أيضًا في مواجهة حزب "التجمع اليمني للإصلاح" الجناح السياسي للإخوان المسلمين في اليمن.

ضرب هادي بصالح الصغير

أحمد علي عبدالله صالح، الذي يُمثّل الصفقة الكارثية المذكورة، هو أكبر أبناء الرئيس اليمني المخلوع علي عبدالله صالح. وقد سبق لوالده أن دفعه لعمق المؤسسة العسكرية، في ترتيبات لتجهيزه كوريث لكرسي الحكم، فتولى في عام 1999 قيادة القوات الخاصة، ثم عين إلى جانب ذلك قائدًا للحرس الجمهوري في 2004، حتى قامت الثورة في اليمن، وحصل كوالده على حصانة من الملاحقة القانونية، عقب المبادرة الخليجية لتهدئة ثورة الشباب في اليمن، وتم بموجبها تنازل صالح عن الحكم. 

كما ومنحت المبادرة صالح وعائلته حق البقاء في اليمن دون ملاحقة قانونية، إلى إن أعلن الرئيس هادي إلغاء الحرس الجمهوري ودمجه في الجيش، فخرج أحمد صالح من الخدمة برتبة عميد ركن، اونتقل إلى الإمارات التي يُقيم فيها حتى الآن.

وتمثل عودة أحمد صالح للمشهد اليمني، هدمًا للثورة ونموذجها التي طالبت به، وهي الرغبة الإماراتية التي لم تُخفها، ولم تُخفها السعودية أيضًا. فصالح الصغير رمزٌ صريح للتوريث في عائلة أزاحتها الثورة من الحكم، وعودته تؤكد استمرار السيطرة الإماراتية على ما حصلت عليه من نفوذ في اليمن. 

أحمد صالح هو محور الصفقة الكارثية التي تهدف إعادة تشكيل اليمن بنظام سياسي خاضع تمامًا لسيطرة السعودية والإمارات

ولا تجد الإمارات التي كانت تدير منذ بداية التحالف، حربًا في الخفاء ضد مصالح السعودية؛ أي غضاضة في إعلان دعمها لنجل صالح منذ البداية، رغم تعارض ذلك مع مصلحة "الشرعية" بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي، والذي من أجلها قامت الحرب في اليمن.

اقرأ/ي أيضًا: مبادرة إماراتية وسعودية في اليمن.. صفقة "كارثية" على درب حرب لا نهاية لها

وعلى المستوى الرسمي، قال أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، إن بلاده اقترحت على السعودية والولايات المتحدة وروسيا، عودة السفير اليمني السابق في الإمارات أحمد علي عبدالله صالح، إلى اليمن. كما أنّ الإمارات تسمح لصالح الصغير بعقد لقاءات وتشكيل تحالفات من أبوظبي، من أبرزها لقاء ضم محافظ عدن المقال عيدروس الزبيدي، منسق ما يُعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أقاله هادي لدعواته الانفصالية التي تدعمها الإمارات. 

وعلى ما يبدو فإن قرارات هادي ضد عددٍ من رجال الإمارات في جنوب اليمن، أدت لتسريع وتيرة تعزيز الحلف الإماراتي مع نجل صالح. فيما استبعد من المشهد الحالي وكأن لا وجود له، وهو رئيس الدولة، وهو ما يُؤكد صدق تصريحات مسؤولين يمنيين بأن السعودية منعب هادي وابنيه ووزراء وعسكريين يمنيين، من العودة لبلادهم، وأنهم مُحتجزون تحت الإقامة الجبرية في السعودية.

هروب ابن سلمان من نفق الحرب اليمنية

مسير بإرادته، بلا حُكم على قراره باختياره، هكذا هو حال ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للبلاد، محمد بن سلمان، الذي يبدو أنه باع روحه لحكام أبوظبي، وعلى رأسهم محمد بن زايد. والحرب التي قادها صوريًا تجلب له الخسران المبين سياسيًا واقتصاديًا، ويبدو أن حاجته للانسحاب منها باتت أكثر إلحاحًا، لولا سوء السمعة التي حظي بها، والتي ربما تستدعي انسحابًا يحفظ ما تبقى من ماء وجهه.

وسبق أن أفادت تقارير صحفية، عن أن ابن سلمان أعرب عن أمله في انتهاء الحرب باليمن، وذلك خلال لقائه باثنين من أبرز مسؤولي السياسة الخارجية في واشنطن، هما مارتن إنديك الذي شغل مناصب دبلوماسية رفيعة خلال إدارتي كلينتون وأوباما، وستيفن هادلي الذي شغل منصب كبير مستشاري الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.

ومنذ وصول والده لعرش المملكة، دخل محمد بن سلمان في العديد من المعارك الداخلية والخارجية خلال رحلة صعوده ليصبح المتنفذ الفعلي في البلاد. وكانت البداية بإعلانه الحرب في اليمن في الربع الأول من 2015.

وبالإضافة إلى أن حرب السعودية وحلفائها في اليمن لم تُؤت أُكلها، فهي أيضًا تسببت في واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية التي يعرفها العالم. وفي تشرين الثاني/نوفمبر المنصرم، حذر مسؤول أممي كبير من أن اليمن يواجه أكبر مجاعة في العالم منذ عقود، والتي أعرب عن خشيته من أنها قد تخلف ملايين الضحايا، ما لم يُعالج الموضوع فورًا، علمًا بأن جزءً أساسيًا من الحرب السعودية على اليمن يتمثل في الحصار واستخدام سلاح المجاعة.

ليست سمعتها فقط والمال، هما ما فقدته السعودية خلال تلك الحرب التي تسعى الآن، لإنهائها بالاتفاق مع غريمها السابق. ولكن أيضًا المكاسب السياسية والعسكرية، فعلى العكس من الإمارات، لم تستفد السعودية من الحرب على الإطلاق. أما المكاسب الإماراتية فقد أعلن عنها في حزيران/يونيو 2016، عندما أعلنت الإمارات رسميًا انتهاء الحرب في اليمن -بالنسبة لها- في تصريحات على لسان أنور قرقاش نقلها عنه ابن زايد في تغريدة على تويتر، إذ قال قرقاش: "موقفنا اليوم واضح، فالحرب عمليًا انتهت لجنودنا". جاءت تلك التصريحات بعد سيطرة المليشيات الموالية للإمارات والمدعومة منها على عدن، وهو ما يعني أن الحرب بالنسبة لأبوظبي كانت ذات طبيعة استراتيجية، حققت منها المصلحة، فانتهت.

 

 

تمثل حرب اليمن بالنسبة للسعودية نفقًا مظلمًا، وخسرانًا مبينًا، سواءً عسكريًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا

ما يزيد من خُسارة السعودية، ويُثبت أيضًا من الجهة الأُخرى تلهفها لأي شيء قد يعني خروجًا من اليمن مع الإبقاء على آخر نقطة من ماء وجهها، هو ما نقلته قناة الجزيرة مؤخرًا، عن علي عبدالله صالح، من أن تصريحاته السابقة "فهمت خطأً"، طالبًا وساطة إيران وحزب الله لاحتواء الخلاف بينه والحوثيين!

وهذا، وإن أُخذ من مُنطلق المناورة السياسية، فهو أيضًا يعني بوجه آخر، أن السعودية لا تزال تختار الحلفاء الخطأ، مدفوعة بطيش وتهوّر أميرها محمد بن سلمان الذي تعرف سياساته عمومًا، تخبط تحدث عنه القاصي والداني.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد بن سلمان في اليمن.. يرفع الراية البيضاء على استحياء

أبوظبي والرياض في اليمن..تغطية الفشل والصراع الخفي عبر اتهام الدوحة