05-ديسمبر-2015

رجل أمام حريق في بلدة جسرين في الغوطة الشرقية 2015 (Getty)

أبادر إلى القول إن حق الشعب السوري في الحرية والانعتاق، مقدّس وغير قابل للتصرّف، هذا في صميم المنطلق، لكنه لا يمنع راغبًا في مناقشة مآلات الثورة من مناقشتها، بعد خمس سنوات من اشتعالها سلميًا ثم حربيًا، فهي توشك على أن تقترب من عدد سنوات ثورة التحرير الجزائرية، في خمسينيات القرن العشرين، وتكاد أن تضاهيها في عدد الشهداء والجرحى واللاجئين والخراب المادي، مع الفارق طبعَا في النتائج.

لا يساوي إصرار النظام السوري على إبادة معارضيه إلا إصرار المعارضة على عدم مراجعة مواقفها

لا شك في أن هناك أنصارًا للنظام، وأنصارًا للمعارضة بشقيها الأصيل والمزيّف، بغض النظر عن عدد أنصار كل طرف، وما يدفع إلى حيرة أنصار سوريا بصفتها كيانًا ووجودًا، لا بصفتها نظامًا أو معارضة، هو أن الطرفين كليهما، بعد نصف عقد من الزمن، لم يقم بمراجعة في خياراته، في اتجاه منع هذا الكيان من السقوط والزوال، لا أتحدث عن تلك المراجعات التي تعني التراجع عن المبادئ الكبرى التي تشكّل هوية صاحبها، فقد بات ذلك من الأحلام المستحيلة، بالنظر إلى ما نسمعه ونقرأه ونشاهده، بل عن تلك التي تدخل في إطار النية في إنقاذ ما يجب إنقاذه، من وطن مشترك، ليس له بديل إلا حلول الطامع فيه.

إن إصرار النظام على إبادة معارضيه، ولو على حساب مدنيين عزّل وبسطاء، لا ذنب لهم إلا أنهم اضطروا إلى التواجد في مكان سقوط البرميل المتفجر، وعلى حساب السيادة الوطنية على البر والبحر والسماء، بات يساويه، من حيث كونه مُستنكرًا، إصرار المعارضة على عدم مراجعة مواقفها، في مقابل عدم تنسيق حقيقي بينها، لأن المستفيد الوحيد في ظل التعنتين هم الطامعون في سوريا، والمعقدون من عمقها الحضاري، والخائفون من غدها على غدهم، والباحثون عن مكافأة على مساهماتهم في تحقيق هذه الأهداف.

لقد بت أتجنب مشاهدة البرامج الحوارية التي تجمع سوريين من الطرفين المتصارعين، حفاظًا على إيماني بأن هناك أملًا في الخروج من هذا المستنقع، لأن الكلمات التي تخرج من أفواه القوم تشبه الرصاص والنار، بما يوحي أن إمكانية تحقيق وفاق وطني، كما تقتضيه أعراف الدولة المدنية المنشودة، باتت في حكم عودة الموتى. مع ذلك، وأكثر منه، لأن التطورات الأخيرة توحي بأن ما هو قادم أفضع، أبقى مبرمجًا على إيماني بأن السوريين سيطلعون من رمادهم أكثر وحدة وقوة وطموحَا. لماذا هذا الإيمان؟ لأن سوريا كيان أصيل وليس مفتعلًا مثل كثير ممن هم منخرطون في مسعى تخريبها. 

اقرأ/ي أيضًا:

متلازمة البوق السورية

الصورة الطبقية للمؤسسة العسكرية في سوريا