11-سبتمبر-2018

يأتي القرار الأمريكي كجزء من ترتيبات صفقة القرن (Getty)

فيما بدا جزءًا من الترتيبات المستمرة التي تقوم بها الولايات المتحدة لـ"صفقة القرن"، وبعد اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل، ووقف دعمها بشكل كامل لمنظمة الأونروا، والعمل على إغلاقها وتصفية قضية اللاجئين، واستشراء الاستيطان في أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 1967، وصل الدور إلى إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

يظهر بشكل واضح ارتباط إغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، مع طلب السلطة الفلسطينية فتح ملف تحقيق بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين

فقد أعلنت الولايات المتحدة، على لسان المتحدثة باسم وزارة خارجيتها هيذر نويرت، الإثنين، عن قرار إغلاق مكتب البعثة العامة لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.

وأوضحت نويرت في بيان صادر عن الخارجية أن هذه القرار يأتي ردًا على انتقاد قادة منظمة التحرير الفلسطينية لـ"الخطة الأمريكية للسلام" حتى قبل الاطلاع عليها، ورفضهم التحدث مع الحكومة الأمريكية بشأن جهودها من أجل السلام، على حد قولها.

ويظهر بشكل واضح ارتباط إغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، مع طلب السلطة الفلسطينية فتح ملف تحقيق بالجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين، حيث يشير البيان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية بأن هذا القرار "يتفق مع قلق الإدارة الأمريكية والكونغرس بشأن المحاولات الفلسطينية الرامية إلى فتح تحقيق ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية".

اقرأ/ي أيضًا: تقدير موقف: جولة كوشنر و"صفقة القرن".. هل ثمة "صفقة" حقًا؟

وكان مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون قد أدلى بخطاب في الجمعية الفدرالية، وهي مجموعة محافظة في الولايات المتحدة، أكد فيه على قرار إغلاق مكاتب منظمة التحرير، بالإضافة لشنه هجومًا حادًا على  محكمة الجنايات الدولية، واصفًا إياها بالهيئة البيروقراطية غير القابلة للمساءلة.

وأضاف بولتون أن المحكمة الجنائية تتخذ خطوات لا تتوافق مع الدستور الأمريكي و"أفكارنا الوطنية"، مشيرًا إلى استحالة تعاون بلاده معها، كما أكد على أن المحكمة لا تمتلك صلاحيات الحكم الدقيق على القضايا التي تنظر فيها، كما أنها لا تملك صلاحيات كبيرة تمكنها من تطبيق الأحكام القضائية، بالرغم من أن دستورها يشمل محاكمة أي شخص في أي دولة في العالم.

ويأتي هذا الهجوم في سياق مواجهة الولايات المتحدة لقضيتين كبيرتين قد تمسان بأمنها القومي، وهما: محاكمة الجيش الأمريكي على جرائم حرب ارتكبها في أفغانستان، ومحاكمة "جرائم اقترفتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية".

كما شدد بولتون على أن هذه المحاكمات لن تثني الولايات المتحدة عن تقديم الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل من أجل "حماية نفسها".

على صعيد آخر هدد بولتون المحكمة الجنائية بشكل صريح، مؤكدًا على أن الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المحاكمات، بل ستتخذ مجموعة من الخطوات ضدها، إذا صدرت بالفعل أحكام تمس في مصالحها أو مصالح إسرائيل. مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة قد تلجأ إلى تجميد أصول المحكمة في البلاد، كما "ستمنع هؤلاء القضاة والمدعين العامين من دخول الولايات المتحدة. وستستهدف أملاكهم بعقوبات في إطار النظام المالي الأمريكي، وستطلق ملاحقات بحقهم عبر نظامنا القضائي".

وتابع بولتون هجومه على المحكمة: "سننظر في اتخاذ خطوات فعلية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتقييد صلاحيات المحكمة الشاملة، بما في ذلك ضمان عدم ممارسة المحكمة الجنائية الدولية ولاية قضائية على الأمريكيين ومواطني حلفائنا الذين لم يصدقوا على نظام روما الأساسي".

من جهته أدان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات،  قرار الإدارة الأمريكية إغلاق مكتب بعثة فلسطين في واشنطن، مؤكدًا أن هذه الخطوة تعتبر هجمة تصعيدية مدروسة، ستكون لها عواقب سياسية وخيمة في تخريب النظام الدولي برمته من أجل حماية منظومة الاحتلال الإسرائيلي وجرائمه.

وأضاف عريقات: "لقد تم إعلامنا رسميًا بأن الإدارة الأمريكية ستقوم بإغلاق سفارتنا في واشنطن عقابًا على مواصلة العمل مع المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، وستقوم بإنزال علم فلسطين في واشنطن العاصمة، ما يعني أكثر بكثير من صفعة جديدة من إدارة ترامب ضد السلام والعدالة. ليس ذلك فحسب، بل تقوم الإدارة الأمريكية بابتزاز المحكمة الجنائية الدولية أيضًا وتهدد مثل هذا المنبر القانوني الجنائي العالمي الذي يعمل من أجل تحقيق العدالة الدولية".

وأكد عريقات على أن بإمكان الإدارة الأمريكية فعل الكثير ضد القضية الفلسطينية، ولكن لا يمكن أن تبتز إرادة الشعب الفلسطيني ومواصلة مساره القانوني والسياسي، خاصة في المحكمة الجنائية الدولية، وستتابع القيادة هذا المسار تحقيقًا للعدالة والانتصاف لضحايا شعبنا، وحث المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، على الإسراع في فتح تحقيق جنائي فوري في جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

اقرأ/ي أيضًا: توطين اللاجئين وتصفية الأونروا.. "صفقة القرن" تمهد لشطب القرار 194

وأشار عريقات إلى أن القيادة الفلسطينية ستتخذ جميع الإجراءات القانونية العملية من أجل حماية المواطنين الفلسطينيين الذين يعيشون في الولايات المتحدة، وضمان وصولهم إلى الخدمات القنصلية.

من جانب آخر أعلن مسؤول رفيع في وزارة  الخارجية الأمريكية  أن إغلاق مكتب المنظمة، سيتم قبل 10 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، كما وأوضح بحسب ما نقلت وكالة الأناضول، أن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت منظمة التحرير الفلسطينية بإخلاء مكتبها في واشنطن.

يذكر أن الإدارة الأمريكية  قد أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر 2017، قرارها بإغلاق مكاتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بعد أن طالب الرئيس الفلسطيني محمود عباس في خطاب أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بفتح تحقيق جنائي ضد إسرائيل.

تأتي هذه الأزمة ضمن ما أصبح معروفًا إعلاميًا بـ"صفقة القرن" التي يرى فيها الجانب الفلسطيني، خطة أمريكية- إسرائيلية تهدف لإنهاء القضية الفلسطينية، وتصفية ثوابتها الوطنية

لكن وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت لاحقًا أنها ستسمح لبعثة المنظمة بمواصلة العمل ضمن مهلة 90 يومًا يتم تمديدها، قبل اتخاذ قرار إغلاقها بشكل نهائي يوم الإثنين.

وكانت الأزمة قد انفجرت منذ القرار الذي اتخذه دونالد ترامب في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 والذي اعتبر القدس عاصمة لإسرائيل، وما ترتب عليه من نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في 14 أيار/مايو الماضي.

وتأتي هذه الأزمة ضمن ما أصبح معروفًا إعلاميًا بـ"صفقة القرن" التي يرى فيها الجانب الفلسطيني، خطة أمريكية- إسرائيلية تهدف لإنهاء القضية الفلسطينية، وتصفية ثوابتها الوطنية، التي بدأت الإدارة الأمريكية بتطبيقها بالفعل، عبر مجموعة من القرارات المفصلية خلال الأشهر العشرة الماضية، مثل قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، وتوقف المساعدات الأمريكية لوكالة الأونروا، وقطع جميع المساعدات للسلطة الفلسطينية، ووقف دعم المستشفيات في القدس.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الفلسطينيون يرفضون صفقة القرن.. واللاجئون في المنطقة الأخطر

تقدير موقف: قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل: الدوافع والمعاني والآفاق