26-أبريل-2023
Getty

لا نهاية قريبة تلوح في الأفق للأزمة في فرنسا (Getty)

تتجاوز الأزمة السياسية الحالية في فرنسا قانون تعديل نظام التقاعد المثير للجدل، والذي دفع باتجاه تطبيقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته، فيما تتحدث تقديرات عن أن الأزمة في فرنسا حاليًا تهدد نظامها السياسي والجمهورية الخامسة.

المظاهرات أصبحت السمة الأبرز للحياة السياسية في فرنسا

بعد ثلاثة أشهر من المظاهرات الرافضة لقانون تعديل نظام التقاعد، و12 يومًا احتجاجيًا واسعًا. يبدو أن الاحتكام للشارع أصبح السمة المرحلة في فرنسا، فقد أدى استعمال الرئيس الفرنسي لسلطته التنفيذية لتمرير هذا القانون بموجب المادة 49.3 المثيرة للجدل من دستور الجمهورية الخامسة من دون المرور على الجمعية الوطنية، رغم رفضه من قبل 75% من الفرنسيين، مما نتج عنه اضطراب سياسي عميق.

ملك جمهوري

Getty

الأزمة الحالية هى أزمة غير مسبوقة في فرنسا، نتيجة الفشل في حل الخلافات عن طريق المؤسسات المنتخبة، وتحولت النقاشات السياسية من قبل المعارضة داخل مؤسسات الدولة، إلى مظاهرات في الشارع. وهذه المظاهرات اعتبرت أن الحكومة تجاوزت حدها، وأن ماكرون يتصرف كأنه "ملك جمهوري"، مع موجة اتهامات واسعة للرئيس الفرنسي بزيادة حدة المظاهرات والحالية السياسية، بسبب رفضه سحب قانون تعديل نظام التقاعد.

يرفض ماكرون ما سبق، معتبرًا أن السلطات الدستورية الخاصة، تم تأسيسها لـ"سبب ما"، وعليه استخدمها حال توجب ذلك، مدافعًا عن خياره، بالقول: "قانون إصلاح سن التقاعد من مصلحة فرنسا"، وذلك عن طريق تبني الرأي الذي اعتبر أن الأزمات المالية والاقتصادية في فرنسا نتاج عن اتخاذ قرارات رئاسية سابقة إصلاحية لتنجب موجات الاحتجاجات.

ويشير المؤرخ السياسي جان غاريغ، إلى أن قراءة ماكرون خاطئة ليس فقط للدستور، ولكن للتاريخ الفرنسي، ويتحدث غاريغ في لقاء مع إذاعة "Franceinfo"، عن أن "ماكرون ملتصق بشرعيته المؤسسية، لكنه ينسى شرعية أخرى مسجلة في تاريخنا منذ الثورة الفرنسية، وهى الحاجة إلى الاستماع إلى أصوات المواطنين، كما تعبر عنها النقابات ووسائل الإعلام".

Getty

الرهان على الشعب

في خطابه الذي توجه به إلى الشعب الفرنسي بعد إقرار قانون تعديل نظام التقاعد، أطلق الرئيس الفرنسي رهان الـ100 يوم للبدء في حوار اجتماعي لتنفيذ مشاريعه الإصلاحية التي وعد بها فور إعادة انتخابه لفترة ثانية، وتشمل قطاع الصحة والتعليم وإصلاح المؤسسات. مشددًا على تصميمه على القيام بزياراته الميدانية في جميع أنحاء فرنسا لإطلاق الحوار المباشر مع الفرنسيين. ورغم حرص ماكرون على التنقل  من أجل لقاء المواطنين، إلا أن الأصوات المعارضة كانت تقف له بالمرصاد.

وخلال زيارته لمنطقتي الألزاس وهيرو في جنوب فرنسا الأسبوع الماضي، قابلته الاحتجاجات، وبهتافات على شاكلة "تسقط الجمهورية الخامسة"، فيما قال متظاهر له: "بالقرب من منزلي، توجد لافتة على جانب الطريق تقول ’49.3 = 1789’"، في إشارة إلى العام الذي بدأت فيه الثورة الفرنسية.

صعود اليمين

وتشير استطلاعات الرأي لتراجع كبير في شعبية ماكرون، وكان آخر استطلاع للرأي أجراه معهد "Elabe" لقناة "BFMTV" الفرنسية نهاية الأسبوع الماضي، ويقول إن 69% من الفرنسيين أو سبعة من عشرة يعتقدون أن إعادة انتخاب ماكرون لفترة ثانية كان أمرًا سيئًا للبلاد.

وكان استطلاع آخر أجراه نفس المعهد لصالح نفس القناة الفرنسية نشر في 5 نيسان/ أبريل 2023 أظهر أنه لو أعيد تنظيم الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية بين إيمانويل ماكرون وزعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان في نفس اليوم، فستفوز لوبان بـ31 % مقابل 26% لصالح ماكرون.

وبعد الوعود التي أطلقها ماكرون بإشراك جميع القوى السياسية والاقتصادية، وجد الرئيس الفرنسي نفسه بعد مرور سنة على إعادة انتخابه معزولًا ولا يملك حزبه الغالبية البرلمانية التي تسمح له بتمرير مشاريعه وقوانينه.

ورغم محاولاته بناء تحالف رئاسي يضم عدة أحزاب أخرى ممثلة في الجمعية الوطنية، كحزب "الجمهوريون" اليميني وأحزاب الوسط مثل حزب "الحركة الديمقراطية"، بهدف تمرير القوانين، لكن هذه الخطة لم تنجح، وكانت الصورة الأوضح لهذا الفشل، حين رفضت تلك الأحزاب تمرير قانون تعديل نظام التقاعد عبر الجمعية الوطنية. 

وفي حواره مع يومية "Le parisien"، الذي أجراه يوم الجمعة الماضي، عبر ماكرون عن أسفه لعدم "انخراطه بشكل كاف في الدفاع عن مشروع إصلاح نظام التقاعد"، الذي واجه معارضةً واسعةً في البلاد، محذرًا من وصول زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان إلى الحكم في عام 2027.

Getty

ترميم العلاقة مع النقابات

وحاول الرئيس الفرنسي استدراك الأخطاء التي وقع فيها على مدار الأشهر الماضية، وكرر مرة أخرى دعوته لاستقبال قادة النقابات وأرباب العمل في أيار/مايو، مشيرًا إلى أنه سيأخذ في الاعتبار جميع المقترحات، وأنه سيدخلها في نصوص القوانين، إلا أن بعض الفرنسيين اعتبروا دعوات ماكرون متأخرة، وأن الحوار كان سيكون مجديًا خلال فترة مناقشة مشروع القانون.

وكانت الدعوى الأولى التي وجهها الرئيس الفرنسي للنقابات للحوار في يوم إقرار المجلس الدستوري لقانون إصلاح نظام التقاعد، قوبلت بالرفض لأنها "جاءت بعد المصادقة على القانون وليس قبله".

حذر ماكرون من وصول زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان إلى الحكم في عام 2027

وقد عبرت رئيسة الكونفدرالية الفرنسية العامة للشغل "CGT" صوفي بينه، عن مدى غياب أرضية مشتركة بين الرئيس والنقابات، بقولها "طالما لم يتم سحب قانون التقاعد، فسنواجه صعوبة كبيرة في بناء علاقة ثقة جديدة مع الرئيس ماكرون".

ولا يظهر أن الخروج من الأزمة الاجتماعية الديمقراطية التي تمر بها فرنسا بالأمر اليسير، خاصة مع التحديات القادمة المتعلقة بملفات الهجرة وإصلاح قطاعات الصحة والتربية، وذلك مع حالة سياسية تشهد ذروة نشاطها في الشارع وليس ضمن مؤسسات الدولة المنتخبة التي ساهم ماكرون في تقليل الثقة بها.