لا يزال صوت الرجل الصادح في حفلات كوكب الشرق أم كلثوم "عظمة على عظمة يا ست" حاضرًا في الذاكرة كـ "اسم لصوتها" الذي لا نستطيع وصفه بغير ذلك. هذه العظمة التي ترسخت في أذهان أجيال كاملة بين من عاصرها ونشأ على صوتها، تبدو تعبيرًا عن زمن محلوم، وربما لأجل هذا بالذات لا يزال صوت السيّدة يزداد حضورًا في الزمن.

بين محبيها المختلفين، تسابق التشكيليون العرب إلى رسمها، كلٌّ منهم يرسم كما لو أنه يريد ترجمة الصوت إلى ألوان ومشاهد، وكأنما يحاول جعل ذلك السحر اللامرئي مرئيًا، هذا ما تقوله أعمال الفنانين التي يصعب حصرها وهي تسعى إلى أن تصنع ألبومًا بصريًا لصوت الست وتجلياته في القلوب.


1- أسعد عرابي.. حنين إلى زمن الست

خصص التشكيلي والناقد السوري أسعد عرابي، معرضًا كاملًا في عام 2011 للسيدة أم كلثوم، فخاخٌ تعبيرية تعيدنا لألق القصبجي الذي تركَ مكانه شاغرًا بعد وفاته في الفرقة الموسيقية، و"ذاتية مفرطة" بـ "النوستالجيا" إلى أيام الزمن الجميل، مع اللعب على أكبر تأثير ممكن من التفاصيل بحساسية عالية، يمكن لمسها في إيماءات الست، وانفعالات العازفين بحركة موسيقية-تعبيرية في آن واحد.

2-Saks Afridi.. كوكب الشرق ومحمود درويش

في إطار استعادته لأهم الشخصيات الثقافية في الشرق الأوسط، قدم الفنان الأمريكي-الباكستاني ساكس أفريدي في عمله "Mena bob" مجموعة من الغرافيكي، كان نصيب كوكب الشرق اثنين منها، ما يميز التصاميم أنه حاول فيها المزج بين التيار الكلاسيكي وتيار ما بعد الحداثة، دون أن يهمل المدارس الشعرية التي كانت تملأ الشرق الأوسط في حقبة السبعينيات، مقتطفًا من الشاعر الفلسطيني محمود درويش تفصيله الشعري الذي ما فتئ يردده قبل وفاته "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".

3- حلمي التوني.. بين رموز التراث المصري

في معرضه "المغنى حياة الروح" عام 2015، استرجع التشكيلي المصري حلمي التوني، صاحبة "الأطلال" إلى جانب قائمة طويلة من عمالقة الطرب القديم، معتمدًا في تصويرها على مجموعة من الرموز التراثية المصرية، دون أن ينسى تتويجها برمز الملكية المصرية، والحمام يطير إلى جانبها، يقرأ ما استعير من أغانيها، طربية متناسقة مع الألوان الفاضحة حد درجة بياض وجه السيدة الأولى في مصر، والعالم العربي حتى الوقت الحالي، هو ما يمكن اكتشافه في ريشةٍ تعبيرية عالية الحساسية.

4- هدى لطفي.. وجهٌ قادم من زمن الفراعنة

يظهر المعرض الذي قدمته التشكيلية المصرية هدى لطفي في عام 2008، مدى أناقتها في إسقاطها البعد الفني للوحات الست على معتقدات المصريين القدماء، مستفيدًة من دراستها لتاريخ الثقافة العربية، تمازج فني يعيدنا إلى تساؤلات عديدة، من ضمنها لماذا لم يحنط جسد أم كلثوم بعد وفاتها، تصوير يتفاعل مع أيقونة الوجه، داخل تفاصيل تعيدنا إلى زمن الفراعنة بسلاسة موسيقية-فنية من طرازٍ فني عالي الذوق.

5- هيلدا حياري: أنا الشعب.. أنا الشعب

تربط الفنانة الأردنية هيلدا حياري في معرضها "نبضات 2" عام 2012، الذي خصصته للاحتفاء بالربيع العربي، بين "الشعب" وأم كلثوم، في إطار تنسيق كلاسيكي وبسيط، لا يبدو على اللوحة أنها أضافت شيئًا مما استعاره فنانين سابقين، إلا في كلمة "الشعب" التي تحمل في طيها أكثر من دلالة، أهمها أن الشعوب العربية مثلما انتظرت ثوراتها، كانت تنتظر كوكب الشرق أسبوعيًا أن تسمع صوتها على أجهزة الراديو.

6- جورج بهجوري.. مصر التي في خاطرنا

كما لو أنها تسخر من الرداءة الموسيقية التي تغلف زمننا الحالي، تطل علينا سيدة الغناء العربي في معرض "أم كلثوم... مصر التي في خاطري" لفنان الكاريكاتير المصري جورج بهجوري، نوع من حنين فاحش الشعور، وتفاصيل اعتاد جمهور الست ملاحقتها في حفلاتها المصورة، تمايلها على المسرح، سلطنة الموسيقيين بآلاتهم التي تتجاوز أحجامهم الطبيعية، المعرض بمعنى آخر هو نوع آخر من البحث عن التفاصيل التي غابت، أو كانت تغيب عن الجمهور الذي ما زال يترنح ثملًا على صوتها.

7- عادل السيوي.. موناليزا الشرق

منذ معرضه "وجوه عمري"، والمصري عادل السيوي يمارس العودة إلى جذور الماضي في لوحاته التي تعتمد على الفن الشعبي، مزيجٌ من الشعبية المرهفة والدقة العالية، يمكن أن نوسم بها رسوماته المتعددة للست، وهو ما يستند إليه صاحب إحدى اللوحات التي اختيرت لمتحف "غوغنهايم أبو ظبي" التابع لمتحف "غوغنهايم" الأمريكي الشهير، "الست" في اللوحة التي حملت ذات الاسم، ما يمكننا من استعارة اسم "موناليزا الشرق" لها، على ما يبدو من حزن ظاهرٍ في عينيها، وإحالات شعبية في أكثر من لوحة تعيدنا إلى زمن جيل كامل من الفنانين تسابق على رسم مارلين مونرو.

8- شانت أفيديسيان.. السيدة في الأيقونة

في الأعمال التي رسم فيها الفنان المصري-الأرمني شانت أفيديسيان سيدة الغناء، نلمس خليطًا من التداخل بين الفن التقليدي وفن الحداثة، دمجٌ من نوع آخر يضيف عليه فنون إسلامية، وتصاوير استمدها من التاريخ الفرعوني، يظهر كوكب الشرق في أكثر من وجه، يتأرجح بين الابتسام والعبوس والصمت، تفاصيل مخفية يعاد خلقها من جديد، لتتشابك مع الصوفية الإسلامية، والديانات القديمة في شرق آسيا، يضفي على أعماله نوعٌ مختلف عما سبقه من الحنين الماضوي.

9- قحطان الأمين.. تقنيات وحداثة لسيرة الحب

في أحد أعمال فنان الغرافيكي العراقي قحطان الأمين، يلمس المتلقي لوحة لأم كلثوم أعيد تكوينها بذائقة فن الفوتوشوب، هي في الأصل صورة حقيقية، جرى نسخها والتلاعب في تفاصيلها الحقيقية، لتتحول نظارتها من اللون الأسود إلى اللون الأبيض، تداخل من التلاعبات البصرية، يقدم لنا خليطًا من الميديا الحديثة المصنوعة بشكلٍ يدوي على برامج الفوتشوب، مزجٌ من استثنائية تعيدنا إلى تلميحات مباشرة ومكثفة، يقطعها غياب باقي تفاصيل الوجه، كما لو أنها إرادة الصمت في حضرة الست عندما تغني "سيرة الحب".