06-فبراير-2016

جنود أتراك في عملية، في سيرناك جنوبي البلاد، ضد حزب العمال الكردستاني (Getty)

لعل كلام رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مؤخرًا، وبصراحة نادرة في لندن، عن قلق بلاده مما أسماها اللقاءات الأمريكية الروسية، يكشف حجم الوضع الحرج الذي وصلت إليه تركيا ومقدار المأزق المتفاقم الذي تعاني منه حكومة العدالة والتنمية في أنقرة، ذلك الوضع الذي لم يعد في مقدور أردوغان تحمله ودفع تكاليفه.

لم يكن في حسبان أكبر المتشائمين أن ينقلب السحر على الساحر، وأن تتأزم تركيا جراء ما يحدث في سوريا

طيلة السنوات الخمس من الثورة السورية كانت تركيا محور العمليات ومنفذها الرئيسي للمعارضة المسلحة من جهة، والمعارضة السياسية من جهة أخرى، فقد احتضنت المجلس الوطني السوري وأعضاءه، ناهيك عن السماح بدخول آلاف المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية لقتال نظام بشار الأسد، وإدخال السلاح والعتاد إلى مختلف فصائل المعارضة الإسلامية منها أو العلمانية على حد سواء، لكن لم يكن في حسبان أكبر المتشائمين أن ينقلب السحر على الساحر، حيث الهجمات الإرهابية والتهديد الكردي والدور الضئيل الذي باتت تلعبه حكومة أردوغان في الداخل السوري. فلماذا وصل الأمر بالأتراك إلى هذه الزاوية الحرجة؟ وهل سيستطيع أردوغان قلب الطاولة مرة أخرى؟

في اعتقادي أن الإجابة على التساؤل الأخير تحمل في طياتها الكثير من الصعوبة نظرًا لموقف "السلطان" الذي لا يحسد عليه حاليًا في المنطقة، وهذا يرجع بالضرورة إلى عدة نقاط أهمها:

1- القضية الكردية، حيث يتعرض أردوغان لحرب داخلية مع حزب العمال الكردستاني بقيادة صلاح ديمرتاش "المزعج" بالنسبة لحكومة أنقرة في جنوب شرق البلاد، بالإضافة إلى قتال الفرع السوري للحزب المعروف بحزب "الاتحاد الديمقراطي" وذراعه العسكري المسمى "وحدات حماية الشعب الكردي" على الحدود الشمالية لسوريا، حيث يتلقى الأخير دعمًا مهمًا ونوعيًا من الولايات المتحدة وروسيا بحجة قتال تنظيم الدولة ظاهريًا، وهو ما تنفيه أنقرة دائمًا بقولها إن الدعم المقدم للأكراد هدفه الأول والأخير ممارسة الضغظ على أردوغان فيما يخص الأزمة السورية.

2- توريط الولايات المتحدة تركيا في إسقاط الطائرة الروسية والتخلي عنها وتركها وحيدة أمام غضب بوتين ودولته، التي قضت على حلم الأتراك بإنشاء منطقة آمنة داخل الشريط الحدودي السوري، يقيهم بالمقام الأول "شر" الأكراد وهجماتهم، ويمنع إقامة كيان ذاتي على حدودهم معها، ليس هذا فحسب بل إن الروس عمدوا إلى تسليح الأكراد ومساعدتهم جويًا للسيطرة على بلدات متعددة في الشمال الشرقي والغربي لسوريا، كنوع من الانتقام لمناورة تركيا بإسقاط طائرة السوخوي الروسية.

3- التقارب الذي تبديه أمريكا من الرؤية الروسية للحل في الأزمة السورية، والذي سيكون بالضرورة على حساب تركيا وموقعها وكيانها الإقليمي، ناهيك عن الآلاف من المهاجرين الذين يثقلون ميزانية أنقرة التي أصابها التعب من تكرار الهجمات مجهولة المصدر التي أضرت بقطاع السياحة المهم تركيًا.

هل سيقبل أردوغان بالتقدم الكردي ويتجه نحو مصالحة الروس وقبول الجلوس معهم على طاولة المفاوضات وفق شروطهم؟

4- عدم وجود الحليف الإقيلمي القوي في المنطقة، حيث إن المملكة العربية السعودية بدأت بقبول إفرازات الواقع الجديد المتأتي من التدخل الروسي، وما تفعله إلى الآن هو الاكتفاء بالتصريحات الصحفية والضغط على المعارضة، بينما يتقدم النظام وحلفاؤه في كافة أنحاء سوريا، ما يعني أن السعوديين لم يعد لهم كلمة في المعركة إلا تحت رؤية الولايات المتحدة وأجندتها المتوافقة بالنهاية مع الروس، هذا يعني بقاء أردوغان وحيدًا في المنطقة بمواجهة أكراد الداخل والخارج والمتشددين الإسلاميين وآلاف من اللاجئين.

لن يحدث خارق ما يفسد العلاقة الأمريكية الروسية القائمة في سوريا، على الأقل في ما تبقى من الفترة الرئاسية لأوباما، ما يعني عدم تغير شيء على أرض الواقع باستثناء زيادة مساحة الأرض التي سيسيطر عليها الأكراد والنظام السوري. فهل سيقبل أردوغان بذلك ويتجه نحو مصالحة الروس وقبول الجلوس معهم على طاولة المفاوضات وفق شروطهم؟ أم أن التدخل العسكري التركي في سوريا بات على مرمى حجر في المستقبل القريب؟ لننتظر وستخبرنا التطورات إلى أين سيذهب السلطان.

اقرأ/ي أيضًا:

مناوشات أردوغان

حتى أنت يا أردوغان!