ألترا صوت – فريق التحرير

"أعمال ثربانتس" عنوان المشروع الأدبي المشترك الذي أطلقته "منشورات تكوين" و"دار الرافدين" خلال الأيام القليلة الماضية بهدف إعادة إحياء الكاتب والروائي الإسباني ميغيل دي ثربانتس (1547 - 1616) عربيًا، وذلك عبر ترجمة رواياته القصيرة إلى اللغة العربية، والعمل على إعادة إصدار روايته الشهيرة "دون كيخوته" بصيغة الكوميكس، بالإضافة إلى تنظيم فعالياتٍ ثقافية وأدبية متنوعة تُقدّم ثربانتس والأدب الطليعي الإسباني إلى القارئ العربي على مدار عامٍ كامل، هي المدة الزمنية المتوقعة لإنهاء المشروع.

سوف تصدر 12 رواية قصيرة مما كتبه ثربانتس ضمن مشروع متكامل، يتضمن إلى جانب ذلك ندوات وفعاليات تعيد تقديم صاحب "دون كيخوته" إلى القارئ العربي

القائمون على مشروع ترجمة وإصدار هذه الروايات البالغ عددها 12 رواية قصيرة "نوفيلا"، اعتبروا أنها لا تقلّ أهمية عن "دون كيخوته"، وذلك على الرغم من أنها ليست معروفة على نحوٍ واسع كما هو حال الأخيرة التي لم تفقد، بعد مرور أكثر من 400 عامٍ على صدورها، ألقها وتأثيرها على المستمر في أجيال متعاقبة من المفكرين والباحثين والأدباء، مثل وليام فوكنر وفيودور دوستويفسكي وتولستوي وهنري ملفيل ومارسيل بروست وتوماس مان وهنري فيلدنغ وغوستاف فلوبير، بالإضافة إلى فنانين عالميين لعلّ أبرزهم سلفادور دالي وبابلو بيكاسو.

الروايات التي سينتهي العمل على ترجمتها وإصدارها بحلول نهاية عام 2021، تحمل، رغم بساطتها، مواضيع قريبة من الموضوع الرئيسي لـ"دون كيخوته"، ولكن بصيغٍ مختلفة تأخذ بعين الاعتبار حجمها وطبيعة حكايتها، ناهيك عن أنها تلتقي معها بكونها مرتبطة بهموم الفرد بمعناها الضيّق خصوصًا، وهموم البشرية بمعناها الواسع عمومًا، بالإضافة إلى أنها تُعبّر على قدرة ثربانتس ومهارته العالية في تطويع الأحداث اليومية والتاريخية.

افتتحت "منشورات تكوين" و"دار الرافدين" مشروعهما هذا بنقل روايتين من أصل 12 رواية إلى اللغة العربية، حيث أصدرت خلال الأيام القليلة الماضية روايَتي "الرجل الزجاجي" و"رينكونيته وكورتاديّو" بتوقيع المترجم العراقي عبد الهادي سعدون، على أن تصدر الروايات العشرة المتبقية خلال العام المقبل، وهي: "العاشق المتحرر"، "الفتاتان" "الإسبانية الإنجليزية"، "السيدة كورنيليا"، "قوة الدم"، "الغجرية"، "غيور أكسترامادورا"، "الخادمة الشهيرة"، "الزواج الخادع"، و"حديث كلبين".  

تدور الرواية الأولى "الرجل الزجاجي" حول رجل يجد نفسه غارقًا في أوهامه، مستسلمًا تمامًا لمخيلته الخصبة المسؤولة عن صناعة وقائع وأحداث لا وجود لها، شأنها شأن مخيلة بطل "دون كيخوته" الذي كان بدوره أسيرًا لأوهامه حول الفروسية والشهامة وما تفرضه هذه الصفات عليه، بدءًا بتصرفاته وسلوكه، وانتهاءً بنمط حياته.

ولكن الفرق بين بطل "الرجل الزجاجي" ودون كيخوته أن أوهام الأخير دفعته لتقمص شخصية فارس ومحارب يتعامل مع العالم من حوله انطلاقًا من منظور هذه الشخصية، على عكس الأول الذي قادته أوهامه إلى الاعتقاد بأنه مخلوق زجاجي يسهل كسره، وذلك بعد جملة أزمات وجودية وإنسانية وصلت به إلى هذه الحالة الهستيرية التي انتهت به منفصلًا عن ذاته لصالح أخرى أقنعته بوجودها أوهامه.

يعالج ميغيل دي ثربانتس إذًا في روايته هذه معضلة إنسانية ووجودية مرتبطة بانفصال المرء عن ذاته وإنكارها لصالح أخرى لا وجود لها إلا داخل مخيلته وما تنسجه من أوهامٍ بفعل أزمات معينة، ولكنه سرعان ما يعود إليها بعد مدة قصيرة مثقلًا بالخيبات. ويمكن القول إن هذه الأجواء قائمة أيضًا، بنسب متفاوتة، في روايته الثانية "رينكونيته وكورتاديّو" التي تميل نحو الواقعية، وتحاول الموازنة بينها وبين الخيال.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل كان دون كيشوت جزائريًا؟

سرڤانتس.. آلهة الوهم