07-مايو-2016

عراقيات(Getty)

نحن العراقيين تعودنا البكاء. نبكي في الأحزان، ونبكي في الأفراح، ونبكي حين يفوز المنتخب الوطني، ونبكي حين نسير إلى كربلاء. ربما هذه الميزة، إن كانت إيجابية أو سلبية، فليس أهل العراق وحدهم من يمتاز بها، هذه طبيعة بشرية بيولوجية.

يبكي العراقيون في الأحزان والأفراح، وحين يفوز المنتخب الوطني، ويبكون حين يسيرون إلى كربلاء

لكن العراقيين يختلفون عن الآخرين. بكاؤهم طويل. طويل جدًا. هم الشعب الذي لا يُفارق الحزن ولا يُفارقه. يحدث في صباح هادئ أن يخرج صوت من سيارة حديثة يقودها شاب وفتاتان تجلسان في الخلف. الأغنية التي صدر صوتها لأمتار خارج حدود السيارة، كانت بكائية بحتة، تتحدث عن سوداوية قصة عشق في ماضيها ومستقبلها.

اقرأ/ي أيضًا: لماذا حدث ما حدث؟

يعرف هذا الشاب أن للصباح أيقونة اسمها فيروز، لكنه يصر على صوت ريفي يزيد مأساته ويُخرج أوجاعًا بداخله تكبر معه، فكيف لا وهي التي ولدت قبلنا نحن الذين نأكل بطعم الحزن، ونشرب بطعم الحزن، ونلبس مرصعًا بالحزن، ونضحك بحزن، حتى عندما نرقص فإننا نستخدم حركة "اللطم".

البكاء يُمثل لحظة تراجيدية في حياة العراقيين، فالذي لا يبكي ليس من أهل العراق. أغاني العراقيين حتى تلك التي يُفترض أن تكون لحفلات الزفاف فيها شيء من الندم والعتب والخوف، مثلًا يقول مطرب عراقي ردًا على والدته التي أجبرته على الزواج: "ارتاحيتي من زوجتيني. هالورطة من ورطتيني. جبتيلي العذاب وبي ربطتيني. وأنا صغير بعدني شايف بعيني".

العراقيون نتاج بيئة بُكائية ولدوا فيها، خاصة نحن في جنوب العراق أو وسطه، فطقوس البكاء لا تأريخ محدد لها. من واقعة الطف قبل 1400 عام استمر البكاء لدينا. ربما أقدم من ذلك العام. الأم العراقية إذا ما سافر ابنها في رحلة سياحية أو عمل أو دراسة فإنها تودعه بالبكاء، وعندما يتصل بها ويُحدثها عن راحته المفرطة هناك وعن جمال الفتيات، لكنه يقول لها "الطعام غير مناسب"، حينها تجد حجتها في البُكاء، وتُبكيه معها، فيشعر بعراقيته وهو في السفر.

تاريخ العراق المليء بالحروب والاحتلال والاقتتال، صقل موهبة البكاء لدى العراقيين فصاروا لا يستغربون رؤية الدموع

اقرأ/ي أيضًا: السحارة ووجوهها

تأريخنا كله حروب واحتلال واقتتال، هذه عوامل صقلت موهبة البكاء لدينا، فصرنا لا نستغرب رؤية الدموع، وصار لدينا شعور بفقدان شيء ما حين لا نبكي. مرة قال لي صديقي :"شغل لنا أغاني حزينة، صارلي هواي ما باجي" (منذ مدة لم أبك).

أتذكر جدتي لأبي عندما دخلت أنا الطفل الذي لم يتجاوز العاشرة من عمره. كيف كانت تنعى عمي الذي توفى قبل سنوات خمس أو ست. فشاركتها البكاء أنا الذي لم ير من عمه إلا فترات قليلة أتذكر لحظات منها. جاءت عمتي، ثم زوجة عمي ثم جارتهم. تشاركن البكاء والنعي لأكثر من ساعة.

ما ذنبي أنا أن أبكي كثيرًا!! أليس من حقي أن أرى من يأخذني للألعاب وليس البكاء؟ أليس من حقي أن أسمع أغان وأناشيد أطفال؟! كل هذا لم أفكر به حينها. بعد سنوات رأيت أطفال يصطحبهم والدهم إلى مناسبة "بُكائية" فتذكرت ما حدث لي.

اقرأ/ي أيضًا:

وداعًا حلب

بين دريد لحام وخالد أبو النجا