أدى غوستافو بيترو اليمين الدستورية أمام عدد كبير من المدعوين الأجانب والجماهير الكولومبية في العاصمة بوغوتا كرئيس للبلاد، وقال "أقسم بالله وأعد الناس بأن احترم بأمانة دستور كولومبيا وقوانينها". وأطلق بيترو دعوات للجماعات المسلحة لتوقيع اتفاقية سلام، كما دعا الرئيس الكولومبي الجديد في خطابه إلى "إنهاء الحرب على المخدّرات"، معتبرًا أنها فشلت، داعيًا إلى "الانتقال إلى سياسة قويّة للوقاية من المخدّرات في الدول المتقدّمة"، وقال "حان الوقت لكي تكون هناك اتفاقيّة دوليّة جديدة تُقرّ بفشل الحرب على المخدّرات".

وإلى جانبه، أدت الناشطة في مجال حقوق الإنسان والبيئة فرانسيا ماركيز اليمين الدستورية بوصفها نائبًا للرئيس، لتصبح أول شخصية تصل لهذا المنصب من أصل إفريقي في دولة طالما حكمها تاريخيًا نخبة من الرجال البيض. ويعتبر بيترو العضو السابق في حركة "19 أبريل" المسلحة والتي تحولت لاحقًا لحزب سياسي، أول رئيس يساري في تاريخ كولومبيا، بعد تغلبه على منافسه من قوى اليمين التي حكمت البلاد لفترة زمنية طويلة، والتي عرضت خلال السباق الرئاسي الأخير تغييرات معتدلة في الاقتصاد الصديق للسوق، لكنها فشلت في التواصل مع الناخبين المحبطين من تزايد الفقر والعنف ضد قادة حقوق الإنسان والجماعات البيئية في المناطق الريفية.

من جهته وعد بيترو بتحولات جذرية في بلد يعاني عدم مساواة، ومن دوامة العنف التي لا تنتهي، وترتبط بعمليات تهريب المخدرات. كما أعلن اعتزامه إصلاح جهاز شرطة مكافحة الشغب المتهم بارتكاب انتهاكات عدة لحقوق الإنسان خلال القمع العنيف للتظاهرات التي شهدتها ولاية سلفه. ويخلف غوستافو بيترو الرئيس السابق إيفان دوكي الذي عانى من شعبية متدنية، ويتسلم الرئاسة لولاية من أربع سنوات مدعومًا من أغلبية يسارية في البرلمان، في بلد لطالما حكمته نخبة يمينية محافظة.

وقال بيترو في تصريحات سبقت مراسم  تنصيبه إن "الحكومة الأولى التي نأمل بها ستكون حكومة سلام وهي توشك على الانطلاق"، وأضاف "نأمل أن تجلب لكولومبيا ما لا تملكه منذ قرون، أي الهدوء والسلام". وتابع "هنا تبدأ حكومة تكافح من أجل العدالة البيئية"، معربًا عن "أمله في جعل السلام والبيئة والحد من التفاوت الاجتماعي المعارك الأساسية لحكومته"، حيث شكل بيترو حكومة تعددية تضم نساء سيتولين حقائب وزارية عدة، وتهدف إلى الدفع قدمًا بالإصلاحات التي وعد بها.

كما اقترح الرئيس الكولومبي إنشاء صندوق دولي لحماية منطقة الأمازون التي تشهد عمليّات إزالة للغابات، وتساءل بيدرو "أين الصندوق العالمي لإنقاذ غابات الأمازون؟". مضيفًا "يمكننا أن نجعل من سكّان منطقة الأمازون الكولومبيّة مجموعةً سكانية تحمي الغابة، لكنّنا نحتاج إلى تمويل من كلّ أنحاء العالم لتحقيق ذلك؟". كما طرح على المجتمع الدولي خفض الدّين الخارجي لصالح تمويل إجراءات حماية غابات الأمازون، قائلًا "فلنخفض الدين الخارجي ولننفق الفائض لإنقاذ الحياة الإنسانيّة، إذا ساعد صندوق النقد الدولي في تحويل الدين إلى إجراءات ملموسة ضدّ أزمة المناخ، فسنحصل على اقتصاد مزدهر جديد وحياة جديدة للبشريّة". مشكل بيترو تحالفات مع نشطاء حماية البيئة خلال حملته الرئاسية، ووعد بتحويل كولومبيا إلى "قوة عالمية مدى الحياة، بإبطاء عملية إزالة الغابات واتخاذ خطوات لتقليل اعتماد البلاد على الوقود الأحفوري".

لكن يبقى التحدي الكبير أمام الرئيس الكولومبي استئناف محادثات السلام مع جيش التحرير الوطني آخر المجموعات المسلحة المعترف بها في البلاد. ورغم اتفاق السلام الموقع مع حركة "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" (فارك) في 2016 والذي بموجبه تراجع العنف بشكل كبير، فإنه لم ينته، إذ إن المنشقين عن حركة "فارك" لا يزالون في مواجهة مع الدولة، ويتحدونها من خلال ما يحصلون عليه من موارد مالية جراء عمليات التعدين غير القانونية، بالإضافة لعمليات تهريب المخدرات، إذ تعتبر كولومبيا أكبر منتج للكوكايين في العالم.

وسيعرض بيترو على هذه المجموعات المسلحة اتفاق إحلال السلام مقابل برامج لتخفيف الأحكام، مثل الاتفاق الذي تم توقيعه مع حركة "فارك". وبالإضافة إلى منشقي "فارك"، تفرض عصابات مهربي المخدرات سلطاتها على مناطق كثيرة من البلاد مثل عصابة ديل غولفو بقيادة البارون دايرو أنطونيو أوسوغا، المعروف بلقب أوتونييل، والذي سُلّم هذا العام إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتقاله العام الماضي في عملية عسكرية واسعة للجيش الكولومبي.

وعد بيترو بتحولات جذرية في بلد يعاني عدم مساواة، ومن دوامة العنف التي لا تنتهي، وترتبط بعمليات تهريب المخدرات

وفي هذا الإطار، اعتبر الرئيس الكولومبي أن سياسة الولايات المتحدة باستئصال محاصيل الكوكا فشل كبير، لكنه عبر عن رغبته في العمل مع الولايات المتحدة المستهلك الرئيسي لمادة الكوكايين جنبًا إلى جنب لبناء "مخططات لمكافحة تغير المناخ أو توصيل البنية التحتية للمناطق الريفية"، حيث يقول العديد من المزارعين إن أوراق الكوكا هي المحصول الوحيد المجدي.