إن أغوتك الألفة

لا تُودِّعْ، لا تترك وصايا،

اخرج من بيتك

أو لا تخرج،

اختبئ في سريرك إن شئت

تهاوَ قليلًا ولا تسقط سريعًا.

 

تنشق "السارين" وابتسم،

لا تصرخ،

يكفي أن يصد الكفَّان النظر،

أو تتراخى الذراعان،

لك بعدها أن تُفَصِّل جيفتك على موضة الأصماغ.

 

تَتَنزَّل تنزيلًا،

مكوَّمًا، 

معصوفًا،

مفصولَ الأطرافِ،

منتفخًا،

مسحوقًا،

مبقورًا،

مسلوخًا...

 

تفور من حلمَتيكَ نكهة عفن تكفي ليتغمَّدك الجوف بشهية.

 

اندمل،

في كل نسقٍ ممسوخ،

في كل رجولة سادية

في السردية

المتنمرة،

المتنطّطة بين التغول والقرابين.

 

إن كان لك شيء عضويّ في هذا العالم

فهو موتك،

التراب لا ينتظر سيرتك، بل عصارتك، يا غَضّ اللبّ أنت.

 

لا تفكر في سرو المدافن،

قد يرتفع،

قد يُقطع.

 

لا تستمع إلى عواء الجنازة

وصرير التأبين،

امحِ آثار المكان الذي قُتلت فيه،

وحاذر أنْ يتحول قبرك إلى مزار:

اطمر ضريحك كما تخفي القطط برازها،

لا تدعهم يمددونك تحت رخامة.

 

واذكر أن التراب يستقبلك

ليس لأن لك سماتٍ، 

بل لأن صدى اسمك لن يتردد في المرثيات،

ولأنك لم تصرف رصيد رؤياك في الشوارع

والأشياء... والمستقبل.

 

اختصر النور والهواء واستأنس بالرطوبة،

تغذَّ من جذامير الأثلام

وابتعد عن الزيتون والغار

وأناشيدهما.

 

الرموز تعود لتقتل

أما أنت فستغوص في النسيان.

لا تأنس لأمك تتلو عليك الذكر،

فلا ذاكرة لها،

ستفكر في إنجابك مجدّدا.

 

إن أتتك مرثية

ارمها من مسمعك، 

لديك كل صوت الأجواف لتريح أذنيك

من وقاحة الشعر وشوك اللغة.

 

العضوي في جوهرك،

جوفك لا محياك،

عزلتك في الجَزَع،

سخريتك من الأحياء.

 

بموتك في غفلة 

بنيتَ وهدمتَ الحواضر،

جعلت الأحياء أشياءَ

لا اسمًا ولا مصدرًا.

 

عندما تموت لا تجفف عرق الخوف 

اتركه لييبس في مساماتك،

لا تدعهم يغسلونك،

تَسَجَّ على عجل،

ليس لجثتك كفن.

 

اطرد الحانوتي، أو اتركه

يزداد صقيعًا وصرعًا

"يوثق" تحولك هذا،

لكن ابتسم له، له فقط.

 

لا تدعهم يرفعونك كقديس

أو يسجّونك أمام حشد،

لا تدع البوح يتمكن من صمتك،

لا تفقد اللاتواصل.

مُت دون خيال،

خفيفًا دون صفات،

دون نزوات،

دون متعة الألفة.

 

مُت في زمنك الوحيد،

موتا لا هوامشَ فيه ولا متونَ،

كالبخار،

كجزيرة غبّها المحيط،

كنجم فتَّتَته الشمس،

كحصى ابتلعها جرف.

 

أربع عشرة عضلة تتحرك ليتجهّم وجهك، وستّون لتبتسم

 

لا تتعب كتيرا،

لا تكابد مشقة الاندماج بعد أن يهدأ الغبار

لتتعلم التسامح

مع الفأس

وكحل العين

وندم الجاني وأهله.

 

أقفلْ عروة النظر

على الخطوط والزوايا وهندسة الأبعاد،

على الألوان والظلال،

على التأريخ والإحصاء،

الترقب والاستشراف... والأمل،

 

وانزل

ولا تكن وقورًا أو ورعًا،

تسرب إلى ذاك الكل العضوي كخام فرح،

استقبل وبادر،

اختلط بحرارة ذلك البطن الذي لا يلد في روزنامة.

 

وإن شابك الحنين

تذكر سلح الحمام وسكون السمكة،

وتجهم لأنك إن ابتسمت 

فعليك أن تجد ورقة توت ترمم بها ألياف وجهك. 

 

مزيج السماد متغاير الخواص لزج العجينة، 

إن تقربت منك رُفات فلا تكن نقديًا،

عالجها برفعة،

دوِّرها،

افرزها،

اتركها تتفاعل في احتباس الجوف

ولا تعطِ أذنك لحكايتها الحزينة.

 

لا ترتكب تلك الهفوة مرتين،

لا تكن نقديًا وتجترح نهايات سعيدة،

النقد واليوتوبيا يتكاملان في نهايات مشتركة، لا تطأها،

لا تفترض يقينًا أن عالمًا أفضل هناك وراء هذا العالم.

 

هكذا تصديت "للبرميل" الذي ألقته الطائرة

وهكذا أبقيت حيطان منزلك دون لون وورقة.

 

​انزل في أمان وتذكر،

إن أردت الانتقام لموتك

مُت ولا تدع جثتك تنتظر الكاميرا

العالم لا يحب إلا النوستالجيا.



 

  • كُتبت هذه القصيدة في أعقاب مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية 2013، وهي أيضًا جزء من مجموعة صدرت حديثًا عن دار النهضة العربية في بيروت وحملت عنوان القصيدة نفسه.