07-يونيو-2016

(Getty)

دعونا نضع قاعدة أساسية نسير عليها حتى النهاية. هي أنه لا يوجد إنسان حزين كليةً، ولا يوجد آخر سعيد على طول الخط، فمن الطبيعي أن تتداخل مشاعر التفاؤل والتشاؤم والسعادة والحزن داخل الإنسان بنسب متفاوتة، حتى بالنسبة للمفرطين في التفاؤل والتشاؤم فهناك دائمًا مشاعر مسيطرة تمامًا وأخرى مضادة متوارية متناهية الضآلة.

الاكتئاب هو مرض جيلنا ولا شك، مرض عضال نظرًا لإصابة العديد من الشباب به في مرحلة سنية مبكرة، إلى جانب تطوره بسرعة وقسوة

فلو وضعنا فرضًا أن هناك من يمتلك نسبة 99.9% حزنًا وتشاؤمًا، سنجد على الأقل 00.1% من التفاؤل متوارية عن الأنظار بداخله، والعكس صحيح، حتى وإن نساها أصحابها، إلا أنها كامنة بداخلهم تنتظر الخروج في أي وقت.

ومن خلال تعاملي مع عدد ليس بالضئيل من بني البشر طوال أربعة وعشرين عامًا، هي زمن وجودي بينهم، لم أجد من يتخذ السعادة والتفاؤل نبراسًا له على طول الطريق بنسبة كبيرة. هذا الأمر يتعلق بجميع من قابلتهم وتعاملت معهم من مختلف الطبقات والأشكال والألوان وباختلاف نسب الفقر والغنى والموهبة والتعليم والثقافة والسن، ولا يتعلق بشخصي أو بوجهة نظري عن أي شيء أو تعاملي معهم. هذه النتيجة أنا مقتنع بها تمامًا.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تتخلى عن مسكنات الألم؟

الاكتئاب هو مرض جيلنا ولا شك، مرض عضال نظرًا لإصابة العديد من الشباب به في مرحلة سنية مبكرة، إلى جانب تطور الاكتئاب -هذه الأيام- في مراحله التدريجية بسرعة وقسوة، وصولًا إلى أعلى مراتبه التي تنتهي بالانتحار، ولا عجب أننا شهدنا العديد من حالات الانتحار خلال السنوات الخمس الماضية والتي تَبِعَت ثورة يناير وما حل بها وبمن قاموا بها.

عوامل كثيرة قد تؤدي إلى الاكتئاب بأنواعه، قصير المدى والطويل منه، هذا إلى جانب حالة الانسحاق الكامل في الاكتئاب والتي لا يخرج منها الإنسان مهما حاول أقرانه تحفيزه، ولسنا هنا بصدد تحليل لعوامل الاكتئاب، فلكل إنسان ظروفه وعوامل اكتئابه، فقد تتوفر لدى أحدنا كل العوامل المساعدة على العيش في حياة طبيعية ثم نجده يعيش في حالة اكتئاب كاملة.

وكما تتنوع ظروفه تتنوع أساليبه، فهناك من يدخل في نوبة كاملة من الاكتئاب نتيجة حدث واحد أوقعه في هذه الهوة بلا رجعة، وقد يكون الخروج من هذه الحالة هينًا، وهناك من يأخذ دورة الاكتئاب كاملة، والتي تشمل فترات أمل ونكسة وعودة للأمل وتراجع للنكسة ثم الهزيمة ثم الانكسار ثم فقدان الأمل نهائيًا ثم التبلد وأخيرًا الدخول في صومعة الاكتئاب دون تفكير في تكرار هذه الدورة المؤلمة.

ولكن..لماذا نتعامل مع الاكتئاب على أنه مرض من الأساس؟

يجب أن نتعايش مع الاكتئاب دون معالجته، لأن الاكتئاب الحقيقي طويل المدى -بالتحديد طوال الحياة- ليس له علاج سوى التراجع عن سببه وحل الأزمة التي أدت إليه، وهو العامل الذي تكون الرجعة فيه مستحيلة ولذلك نتج عنه الاكتئاب لاستحالة الحل.

اقرأ/ي أيضًا: هل عليك التوقف عن تناول الغلوتين؟

هل تعلمون فيما أتحدث؟ عن الاكتئاب النقي الصافي بلا شوائب. الاكتئاب بلا رجعة.

عزيزي المكتئب. هنا يجب أن ننظر بعين الحقيقة، إن كان سبب اكتئابك قد تعنت ولا رجعة فيه فأنت عالق هنا لا محالة لفترة طويلة، فإما أن تنتحر وإما أن تقاوم الاكتئاب وإما أن تتعايش معه.

الانتحار يتطلب شجاعة ومقاومة للوازع الديني، وهو ما لا يحبذه البعض، وقد تحبذه أنت لكي أرى الحروف الأولى من اسمك في متن أحد أخبار المواقع الإلكترونية معنونًا بكلمات تجذب القراء دون التعاطف معك.

ومقاومة الاكتئاب لن تنجح. لا تحاول فلن تنجح. وأرجوك لا تقرأ كتب التنمية البشرية، أتوسل إليك من كل قلبي لا تضيع وقتك معها. أرجوك لا تحاول أن تستعيد الثقة بعبارة محفزة من فيلم سينمائي أو جملة من صديق مقرب يحاول تخفيف الأمور عنك ووعدك بأن القادم أفضل.

الحل هو التعايش مع هذه الحالة والفناء فيها، لن نستخدم جملة "إذا لم تستطع المقاومة فاستمتع" فالأمر أكبر من ذلك بكثير، أنت لن تقاوم من الأساس، أنت لن تفكر في المقاومة، اهرب من أمام أي شخص أو أي شيء قد يجعلك تفكر في المقاومة، أو تفكر في الأمل.

ربما نستطع في يوم ما، نحن معشر المتعايشين مع الاكتئاب، أن ندشن نادي المكتئبين، أو لنجعله مركز شباب لكي يستوعب الفئات الأقل دخلًا 

ولكي تستطيع الثبات على موقفك الجأ لمن هم مثلك.

ربما نستطيع في يوم ما، نحن معشر المتعايشين مع الاكتئاب، أن ندشن نادي المكتئبين، أو لنجعله مركز شباب لكي يستوعب الفئات الأقل دخلًا والذين سيشاركون بكثافة منقطعة النظير. كما أن الطبقية في هذا الأمر شيء غير محمود.

هذا التجمع سيتشارك فيه الجميع قصصهم المأساوية وعادات اكتئابهم ونصائحهم للمكتئبين الجدد وترشيحات لأفلام درامية وأغاني حزينة، بهدف مساعدة بعضنا البعض على قضاء السنين الباقية لنا في سلام دون أن يتحول المركز إلى مثيله من مراكز الاستشفاء وجلسات الاستماع التي ليست لها قيمة والتي لا يقتنع بها الحاضرون والمحاضر نفسه.

نسيت أمرًا هامًا..

علينا جميعًا -معشر المكتئبين- أن نقاوم حالات الهروب من النادي.

هل تتذكر أول فقرتين في المقال عندما قُلتُ إنه لا يوجد إنسان حزين أو سعيد بالكامل، هذا صحيح، فكونك مكتئبًا بالكامل لن يمنع من وجود فيروس الأمل بداخلك بنسبة متناهية الصغر، قد تكون أصغر من حجم نواة الذرة، هذه النواة التي ستؤرقك من حين لآخر، ويستغلها البعض أيضًا لتحريضك على الهروب من نادي المكتئبين.

لم أرَ حتى الآن من ينسحق تمامًا في السعادة. أما الاكتئاب. فَحَدِّث ولا حرج.

أحب أن أذكرك بشخصية درامية عظيمة جسدها القدير الراحل جميل راتب في مسلسل لمحمد صبحي اسمه "أنا وهؤلاء"، الشخصية كانت تحمل اسم "أمالي السودة"، وفيها لعب جميل شخصية رجل يعيش في غرفته فوق السطوح مكتئبًا واصفًا الأيام جميعها بالسواد، وظل هكذا حتى قرابة النهاية، إلى أن خرج فجأة ليقول لجيرانه أن الحياه "بمبي"، وذلك بمجرد أن وجد حفيدًا له من ابنه الذي سافر وتركه منذ زمن بعيد، وكان اسم الحفيد "معوض" ليكون الاسم "معوض أمالي السودة"، والذي زار مصر ليقضي مع جده بعض الأيام الجميلة التي غيرت من حياة الجد.

قصة جميلة أليس كذلك؟

نعم هي كذلك، لكنها جميلة لأن نهايتها أن عاد الحفيد إلى بلده وترك الجد وحيدًا مرة أخرى، ليدير الجد ظهره للجميع ويدخل غرفته من جديد وهو يقول "الأيام سودة".

فهل ستبقى معنا في نادي المكتئبين وتقاوم نواة الذرة التي ستؤرقك بين الحين والآخر؟ أم ستفعل مثل "أمالي السودة" وتهرب ثم تجد نفسك مضطرًا للعودة.

لا نريدك أن تكرر التجربة مرارًا وتكرارًا، فمصيرك النهائي سيكون معروفًا، وستجدنا دائمًا فاتحين أذرعنا في استقبالك من جديد، ولن نزيل هذه اللافتة المتصدرة النادي والمكتوب عليها. "أهلًا بك في نادي المكتئبين".

اقرأ/ي أيضًا: 

6 عادات للأشخاص السعيدين

8 عادات سيئة تقتل الزواج