الترا صوت- فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أيمن مارديني روائي من سوريا، من مواليد عام 1966. يحمل إجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق. له الروايات الآتية: سيرة الانتهاك، غائب عن العشاء الأخير، خيوط الانطفاء، وكان أكثر شيء جدلًا (نص طويل – تحت الطبع).


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

هي البدايات كما هي عند الغالبية، بيئة تقرأ، وتُشجّع على الكتاب. بالإضافة إلى أسئلة، على ما يبدو كانت تؤرقني منذ الصغر، ولكن للحقيقة أقول: لم أكن أدري كيف يُسأل السؤال. حيث تبين لي في مراحل أخرى أن صيغة السؤال هي المهمة، وطريق الوصول الى الإجابة، وليست الإجابة في حد ذاتها. أبي كان مدمنًا على الكتاب، وإخوتي أيضًا. ولكن ما حفّز الذهن لدي وأوقده، هو الكتب التي كانت بين أيادي أخوتي، حيث تنوعت من الأدب المعاصر، المدارس النقدية، الفلسفات المادية والمثالية. بالإضافة إلى الكتب التي كان أبي يقرؤها، التاريخ والسياسة والدين.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

من المجحف أن أعتبر كتابًا ما، أو كاتبًا ما على اختلاف الصنوف والأنواع هي الأكثر تأثيرًا علي، دون سواها. كل كتاب بالنسبة لي، يعتبر هامًا وممتعًا، وعليّ أن أنُهي قراءته. وذلك حسب المراحل العمرية، من حيث اختلاف الأسئلة التي كنت أدور فيها. أهمية الكتاب تأتي من اختياري للسؤال أولًا، ومن ثم تأتي مرحلة تالية عليها ألا وهي: هل تناسل السؤال سؤالًا آخر أكثر عمقًا أم.. ولكن، وعلى المستوى الأدبي، من رواية وشعر وقصة، علينا أن نقول إن كل كاتب لديه قمة يسعى إليها، ويعتبر عمل ما أو قلة من مجمل أعماله، من أنضج وأقوى وأكثرهم قربًا لشخصيته، التي هي تظهر بشكل أو آخر في باقي الأعمال. لذا أنا ممن يرون أن قراءة مجمل أعمال الكاتب تمنحك هذا الحس النقدي المكتسب، قبل الولوج في عالم كتب النقد ومدارسه. ومن جهة أخرى، حتى الأعمال الأدبية التي لم تنل رضاي، سواء من حيث الأسلوب أو البناء الأدبي... هي درس أيضًا بالنسبة لي، حيث تكون مثالًا حيًّا لما علي تجنبه عند الكتابة.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

هو كل كاتب يخلق الدهشة لدي، ممتزجة مع المتعة في اكتشاف الأماكن الغامضة، وإضاءة المعتم والمخفي. مجتمعاتنا، وللأسف بنيت على الممنوع، وأدمنت الأسرار، وتعشق المخبئ. لذا كل ما يكشف هو مرفوض، وأحيانًا محكوم عليه مسبقًا، أيًا كان صيغة الحكم، دينيًا، أخلاقيًا، اجتماعيًا.

والكتاب وحده، هو مفتاح السر، والكاتب فقط، من يملك هذا المفتاح. كل ما عليك أن تفعله، هو أن تعانقه وتشاركه المعرفة. وإن أردت أن أعطي أمثلة، مع العلم أني لا أحبذ هذا، إلا أن على مستوى الدراسات: نصر حامد ابو زيد، ادوار سعيد، فوكوياما، آلان باديو.. وآخرون كثر.  وعلى المستوى الأدبي: يوكيو ميشيما، سلمان رشدي، خليل حاوي وآخرون أيضًا.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

أجل، ومنها: قبل العشرين بقليل سمعته وهو يغني خفافًا كيف يعبر الجسر. وقتها لم أكن أعرف خليل حاوي. أذكر أني سألته: من كاتب الكلمات فقال: شاعر انتحر رفضًا على حصار بيروت 82. نكزتني كلماته، وضراوة القرار الذي اتخذه الشاعر، وبدأت بحثي عن دواوينه في المكتبات، أو في بيوت أصدقائي، ولم أعثر على شيء. ذهبت إلى أبو أيمن في مكتبة المركز الثقافي العربي أبو رمانة، وتعجب ممن هو في عمري يسأل عن حاوي، وقال: دوستويفسكي وفهمنا.. سارتر وصدقنا.. كامو وآمنا.. الى أين أنت ذاهب مع خليل حاوي. نظرت له وقلت: عمي أبو أيمن لا تصدق أن شاعرًا يكتب "يعبرون الجسر في الصبح خفافًا.. أضلعي امتدت لهم جسرًا وطيد" لا يمكن الا أن يكون نبيًا. قال لي: الأنبياء لا ينتحرون يا بني. قلت: الأنبياء الكذبة فقط هم من لا ينتحرون. وابتدأت في كتابة ديوانه.

أجل في الكتابة وليس في القراءة فقط. هي نسخة وحيدة عثرت عليها ومصروفي القليل لا يغطي تكاليف تصويرها. وبدأت رحلتي في ديوانه، ولم تنته الى الآن. قراءة تلو قراءة، مقال عنه يقفز لي من بين صفحات الأصدقاء، أو أغنية تسري الي من محطات متناثرة هنا وهناك، إلى بحث عمن قال ذلك المقتطف، لأجده هو أمامي صاحب القول، والدهشة تملؤني أنني لم أنتبه له سابقًا. خليل حاوي انتحر.. أجل. ولكن كان لانتحاره معنى لنحر الأوطان في زمن لم يعد فيه إبراهيم وابنه. فقرر أن يكون هو النبي وسكينه، وانتحر على أعتاب الوطن. وذهب حاوي، ولم يبدله الله بكبش فداء، ومازالت الأوطان محاصرة.

حاوي... أتمنى منك أن تكتب لنا الآن ماذا دار بينك وبين الله عند مقابلته؟ وكيف رفعت في وجهه قصائدك عندما حاصرك بتهمة الانتحار؟ ماذا قالت لك الملائكة وهي ترفع بأجنحتها أطفالًا، وشيوخًا، ومدنًا استشهدت على أعتاب السماء؟ ماذا تقول له عن انتحارنا القسري في زمن لم يعد فيه الانتحار اختيارًا؟

وليس من سؤال هنا، وإن كانت علامته ننهي بها جملتنا. هي فقط رسالة في زجاجة نلقي بها في بحر سماءك. ونعلم أنه لا من مجيب.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أصبحت أكثر ارتباطًا بها، وألاحقها أينما صدرت، وقتما تصدر. الكتاب الإلكتروني كسر الحدود، ليست الجغرافية فقط، ولكن الرقابية أيضًا. بالإضافة إلى مرافقته لي سواءً كان على اللابتوب، الموبايل، أو أي جهاز آخر يسهل حمله ويتنقل معي.

الكتاب الإلكتروني فتح آفاقًا أخرى، وعلاقات أشد صلابة، من حيث الوصول الى الكتب والكِتاب باللغات الأخرى، ومنها الإنجليزية بالنسبة إلي، التي أواظب على القراءة بها.

برأيي أصبح اليوم الكتاب الالكتروني، وإن شئت النشر الإلكتروني عامة هو المسيطر، والمستقبل له. بالإضافة إلى الكتاب المسموع أيضًا. وإن لم أستسغه إلا مؤخرًا. ولكنه تجربة فريدة علينا مواكبتها.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

إذا كنت تقصد الكتب الورقية، فقد فقدتها كلها في بيتي الكائن في دمشق، وقد كانت تحوي كل كتاب اشتريته منذ سنيني الأولى، بالإضافة إلى مكتبة والدي التي ورثتها عنه. ولكن بسبب تنقلي وسفري الدائم أيضًا استطعت أن أشيد مكتبة إلكترونية، لا أقول إنها عوضتني عن مكتبتي الورقية، من حيث الألفة والرائحة... إلخ، ولكن أقول إنها ساعدتني كثيرًا في عدم انقطاعي عن عادة القراءة التي أدمنت عليها. بالإضافة إلى سد حاجتي في البحث وإعادة قراءة الدراسات والأعمال الأدبية التي أحتاج اليها من وقت إلى آخر.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

حالياً، أقوم بتنقيح روايتي الثالثة وهي بعنوان "خيوط الانطفاء" التي ستصدر قريبا عن دار رياض نجيب الريس في بيروت، ولا أخفيك كم هو عمل شائق علي، وشائك في الآن نفسه. إذ كيف لك أن تكون حياديًا أمام عمل قمت بكتابته مدة أربع سنوات ونصف، ولم يغادرك، شخصياته أصدقاؤك، بفيض دواخلهم، ومأساة متاعبهم، وبأس قلقهم، وقدسية عشقهم، وأشياء أخرى، كل ذلك وأكثر هو أنت، هم... ويأتي عليك زمن تكون أنت المؤلف فقط عليك المراقبة، والمشاهدة، ولن أقول، التلصص. فمدى الاشتياق والحنو والفقدان داخلي تجاههم، يقف سدًا أمام عملي الروتيني، وليس أمامي إلا الهروب من وجه ناشري، لأنني أتأخر في عملي. ولكني عادة، وعندما أشعر بالتعب أو الإرهاق، أفر طواعية إلى كتب التاريخ أو كتب التراث، وأغرق فيها. علها تكون ملجأي ومرفأي وسكناي. بين يدي الآن كتاب: كتاب الطبقات الكبير لـ محمد بن سعد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة مصطفى الولي

مكتبة خالد بن صالح