لا يمكن أن يقبض الله قلبًا لم يتذوق الحب يومًا، هذه قسوة حاشا الرحيم عنها؛ تسابق روحي سرعة الضوء، تصير خفيفة كحلم جميل مرّ ذات ليلة، كهمسة حب، كشريط السنوات، تمر على البقاع كغيمة. أُطبق عيني، أراني في ربوة خضراء شاسعة، روحي بين سعادة وجفلة، يتساقط الماء (الدمع) تتبلل، فأمسح وجنتي، تتبلل أكثر، فأبحث عن منديل أُجفف مجرى الدمع على وجهي... الربوة مسودة الخضرة، تغبش الصورة "لا تذهبي!" أناديها برجاء كمن ينادي حبيبًا يخاف عليه الضياع.

أُسابق الآن الريح، صوتُ من الجبال يأتي من بعيد، أرواح صفيرها مزيجٌ من طبول حرب، جداول مياه، وقبائل البدو ترتحل من جبل إلى آخر هربًا من الثلج بحثًا عن الكلأ... يصير الصوت داخلي، لا بل أصير داخله، نُعجن في دوامة هدير من الأصوات المتتالية: ضحكات أطفال يقفزون على الترامبولين، صوت بائع سيارة الخردة، موسيقى الفصول الأربعة، أذان الظهيرة صيفًا، زقزقة العصافير، إطارات السيارات التي تقطع الشارع، صوت نسائي يشبه قبيلة من الأرواح تستيقظ بعد غفوة الموت تشحذ صوتها جَماعة فيصدرعواء، ويبقى صفير الريح أكثرها حضورًا ووضوحًا.

أُسلمك نصف عقلي، أحاول طردك منه بعدم التشبث فيك أكثر، أنت أسطورة "efsane" لا أحبذ اقتسام الغرف ورأسي...

الأحزان تأتي على هيئة نوبات أرق، تطرق بابًا وآخر وعيني، والسؤال يتوالد إلى ما لا نهاية، قد ولدتني أمي مكبلًا بقيود الفضول المُقلق.

ومن الأسئلة أطرح على نفسي: لماذا الإجابة؟ من يملك الوضوح في هذا الضباب؟ والمشاعل على المُرتفع المُقابل قد لا تكون أضيئت لحرب ما، بل لليلة رقص وشرب، أُفتش عن الأسئلة في الأسئلة، وأُسامر السقف عَلّ النوم يسقط على رأسي فأُصابُ باغماءة نوم لليوم التالي.

الأرق يأتي على هيئة أمل، يبسط دروب ورد وأشجار ياسمين تزاحمها، كلها تريد ارضائي. الأرق يكون أنت على هيئة أنا، ثم أجدك أرقًا أجوفَ بلا أمل ولا أسئلة... ولا دواء لي.

تتضمحل روحي التي كانت تركض، تلتفها غشاوة، يُثخن القلق فيها سلاحه، تهوي من الربوة في فضاء المجرة إلى جسدي الأرضي الضيق، تبقى هي روحًا وأبقى أنا صلصالًا قد مَسّني غبار وقذارة.

وحتى حُلم الياسمين يتبعثر على السطور البيضاء في الرسائل الطِوال التي تبتلع كل ما سبق مُكابرة: من يقرأ الذي لم يُكتب؟ والكلام المسجون في الهاوية من يحرره؟ الياسمين من الله وله، فمن يملك حق استملاكه واحتكاره؟ هو مُلكٌ عام، كالماء والطريق والهواء... هاتوه! إليكم عنه، اياكم أن تُحمّلوه نتائج قراراتكم أو تخنقوه بسلاسل حجج تداعي تصوراتكم عن بناء دولة مَدنية عِمادها الحجر والإنجاز الفج الفارغ؛ تُزينها صور تصفيق لانهائية عن مقعد خشبي وُضع على طريق مهمل أو تشييد سور لمدرسة قديمة أو طبق حمص أكبر بقليل من استراتيجياتكم؛ لا تجتثوا شجر الزهر الأبيض المُدلى عن أسوار البيوت القديمة التي كانت يومًا تمثل خانة الأم والأب وتاريخ الميلاد في هوية وجه هذه المدينة.

الخطوط المُتقطعة المسحوقة في اللوحة الكبيرة من يميزها؟ حُلم اليقظة اللحوح من يكبحه؟ صفير الريح والقبيلة من يخمده؟

ترررن ترررن...

هاتفي النقال يرن، صوت نسائي من الطرف الآخر لا أُميزه، تبحث ذاكرتي الصوتية بسرعة في ملفات أرشيفها: "هذه من قد تكون؟." يخبرني الصوت بأنه: "... لدينا في شركة كذا عَرضٌ لدقائق ومكالمات إضافية... فهل ترغبون باعتماد الخدمة؟،" أبتسمُ وتغازل الثقة نفسي لثوانٍ: "رائع! على هذا السؤال وحده أعرف حتمًا الإجابة".

 

اقرأ/ي أيضًا:

ورقة مليئة بالنقاطِ السوداء

ديون مستحقة