30-مايو-2019

مقام السيدة خولة في بعلبك (فيسبوك)

في أغلب المناطق بلبنان هناك معالم آثرية تتبع لوزارة السياحة ووزارة الثقافة، ويتم وضع الخطط السياحية والثقافية من قبل هاتين الوزارتين وغيرهما من المؤسسات المعنية. 

منذ عام 2000 تحول التركيز في مدينة بعلبك على المعالم السياحية الدينية، على حساب السياحة الأثرية والتاريخية

غير أن هناك تحولًا ملموسًا في هذه المعالم من كونها أماكن للسياحة، إلى وسائل لنشر ثقافة دينية، وإعطاء صبغة أيديولوجية للمنطقة المحيطة، بما قد يؤثر سلبًا على الهدف السياحي.

اقرأ/ي أيضًا: قصر الأحلام في الضنية.. خرافة العمارة بلا أميرات

ومنذ بداية عام 2000 لم يعد هناك أي تركيز من قبل وزارتي السياحة والثقافة على التنقيب والبحث واكتشاف الآثار القديمة في بعلبك، في المقابل، تم التركيز على معالم السياحة الدينية، مثل القبور والأضرحة، التي تم اكتشاف العديد منها والإضاءة عليها أكثر وبلورة الاهتمام بها من قبل الجمعيات الأهلية المحلية التابعة بدورها والممولة والمدعومة من قبل أحزاب المنطقة، وتحديدًا حزب الله الذي اكتسح المنطقة في انتخابات برلمان 2018 بالحصول على ثمانِي مقاعد من أصل عشرة.

ووفقًا للائحة وزارة السياحة، يوجد في مدينة بعلبك أكثر من 13 ضريحًا ومزارًا دينيًا، من بين أشهرها: مقام النبي يوشع بن نون، ومقام النبي نجوم، ومقام النبي شيت، ومقام النبي سليمان، ومقام السيدة خولة، ومسجد القلعة، والجامع الأموي الكبير، وجامع رأس العين، وقبة الأمجد، ومسجد الحنابلة، وزاوية اليونينية، وقبة السعدين، ومسجد نهر بعلبك. 

وتكفي المقارنة بين الجهود المخصصة لتنمية السياحة الأثرية التاريخية، وبين الجهود الضخمة لتنمية السياحة الدينية، ما انعكس بطبيعة الحال على أعداد السائحين بين هذين النوعين من المعالم السياحية.

كما نجد أن الإعلانات السياحية التي تصدرها وزارة السياحة ركيكة وضعيفة فيما خص الأماكن الأثرية في بعلبك الهرمل وهذه بالتأكيد سياسة متفق عليها، فلماذا ترضى أحزاب المنطقة على تهميش السياحة في بعلبك-الهرمل وتغض النظر عن ذلك علمًا أن هذه الأحزاب لها نفوذ واسع في الحكومة ومؤخرًا تم استلام حقيبة الثقافة لوزير في حركة أمل.

ونجد أن البروباغندا للسياحة الدينية فاعلة جدًا فالهيئات المتعددة في حزب الله، على سبيل المثال لا الحصر، تقدم عروض مجانية للنساء من أجل زيارة الأماكن السياحية المقدسة، فلا يتم دعم السياحة الآثرية والدينية بالتوازي فالجمعيات التابعة للحزب تقدم نقليات مجانية للمقامات الدينية وتعرفة دخول مجانية فلماذا لا يتم ذلك للسياحة الآثرية أيضًا؟ وتجدر الإشارة إلى أنه مع مرور الزمن تصبح هذه هي الثقافة العامة للسياحة في المناطق الشيعية.

وفي أغلب قرى بعلبك الهرمل، يتم استحداث مزارات دينية صغير لاستقطاب السياحة الدينية، ما يؤدي إلى صبغ المنطقة بنمط ثقافي أحادي، فالزوار مثلًا في غالبيتهم من المصلين الشيعة، بينما تكاد تختفي قدرة مهرجانات بعلبك على استقطاب السواح من جنسيات مختلفة.

والحاصل أن السياح يأتون إلى قلعة بعلبك ثم يغادرون في ذات اليوم لحجز فنادقهم في مدينة زحلة والسهر فيها، ما لا يعود على بعلبك بأي مردود مالي. فالسائح الأجنبي يتجنب النزول في بعلبك، لأن هناك من يعمل على تهميش السياحة الأثرية لصالح السياحة الدينية لأهداف سياسية وثقافية واجتماعية.

فالسائح لم يعد يجد المرافق الأساسية والخدمات الأساسية التي تستقطبه وبالتالي إنعدام سيولة السياحة في تلك المنطقة. كما أن الطريق المؤدية إلى قلعة بعلبك وعرة وغير مهيئة لاستقبال السياح والحافلات وغيرها، بالشكل اللائق لمدينة أثرية كبعلبك. فكيف يمكن أن تتواجد حياة سياحية مختلفة ومتنوعة في ظل هكذا قمع، خاصة وأن البلديات تابعة لأحزاب المنطقة مباشرة؟

ويتم إهمال السياحة الأثرية في قلعة بعلبك وجوارها من أجل دعم السياحة الدينية في مرقد السيدة خولة الذي يجاور القلعة بأمتار قليلة. يمكن للمراقب أن يجد الحافلات تعج في مرقد السيدة خولة الشيعي بينما قلعة بعلبك شبه خالية من السائحين وقد عمدت أحزاب المنطقة على منع بيع الكحول في المقاهي حول قلعة بعلبك فلا يمكن يمكن للسائح أن يتمتع بالحياة الليلية والنوادي الليلية والسهرات والرقص والموسيقى على مقربة من مقام السيدة خولة.

إضافة إلى ذلك، تقطع الطرقات في المناسبات الدينية كعاشوراء وتنتشر المظاهر المسلحة الأمنية التابعة لحزب الله لحماية الخيم العاشورائية المحيطة بقلعة بعلبك لما يزيد عن شهر وتنتشر اليافطات والمظاهر الدينية بكثافة في أوقات الاحتفالات الدينية والمهرجانات السياسية للحزب على مدار السنة، دون الأخذ في الحسبان مصلحة السياحة في هذه المنطقة الحيوية.

إن السياسة الكبرى أو الرؤية الكبرى لحزب الله هي التي تنطبق على واقع السياحة في بعلبك الهرمل. فلا يمكن لأي رئيس بلدية إعطاء رخصة لفتح محل لبيع الكحول أو إنشاء ملهى ليلي لأن الضغوط ستكون كبيرة إما عبر الترغيب أو الترهيب كما حصل مع تفجير محلات الكحول في عدد من المناطق الشيعية في لبنان من قبل مؤيدين لحزب الله والتضييق عليهم شعبيًا.

كيف يمكن أن تتواجد حياة سياحية مختلفة ومتنوعة في ظل القمع، خاصة وأن البلديات في بعلبك تابعة لأحزاب المنطقة مباشرة؟

وبعد أن نجح الحزب في بناء منظومته الاقتصادية وتأمين رواتب لستين ألف مقاتل وموظف في كافة القطاعات التي يستثمر فيها، وكذلك استثماره في السياسة، ونتائج الانتخابات الأخيرة كانت مثال واضح لقدراته التجييرية للناخبين، لذلك يعمل الحزب على تغطية الشق الثالث، وهو الشق الثقافي، لما له من أهمية كبيرة وذلك منذ عام 2000 لغاية في نفس يعقوب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لم علينا الرحيل من لبنان؟

بيروت إذ خلعت رداء الطوائف