22-يونيو-2019

مشجعو المنتخب المصري (أ.ف.ب)

بلغة الأرقام، حوالي 43% من الناس في العالم يُشجعون كرة القدم. وفي مصر، في 2014، وصلت نسبة مشجعي الكرة 69%، أما أفريقيا فأكثر من 75% من سكانها من المشجعين، تليها منطقة أمريكا الجنوبية والوسطى، إذًا فنحن نتحدث عن أكثر من ثلاثة مليار و150 مليون شخص حول العالم هم من مشجعي كرة القدم.

من دوافع التشجيع الضغط الصحي، حيث يسعى المشجع الكروي لاستثارة الضغط والتحفيز الإيجابي الناتج عن مشاهدة المباراة

وإن تركنا الأرقام ونظرنا لما يختلج النفوس ووجدان الناس، نجد كثيرًا من المشجعين الكرويين في أمريكا الجنوبية ينظرون لنواديهم التي يدعمونها على أنها أمهاتهم وهم أبناؤها، وأرض الملعب بيتهم، هكذا صارت كرة القدم بالنسبة لهم: سكن وبيت وأهل وحياة، فما حكاية هؤلاء المشجعين؟

اقرأ/ي أيضًا: موانئ كرة القدم.. الأكثر شغفًا

لماذا نشجّع كرة القدم؟

دراسة الدوافع وراء مُشجعي الرياضة وخاصة كرة القدم هو مجال جديد نسبيًا، ولكنه جذب اهتمامًا كبيرًا بالسنوات الأخيرة، وهناك اتفاق عام على أن المشجعين الكرويين يحفزهم مجموعة واسعة من الاحتياجات النفسية والاجتماعية المختلفة كالتالي:

1. الضغط الصحي الإيجابي: حيث يسعى المشجع الكروي لاستثارة الضغط والتحفيز الإيجابي الذي ينتج عن مشاهدة المباراة، فالناس الذين لا يشعرون بالضغط في حياتهم الطبيعية، يسعون للمواقف التي تجعلهم حقًا مضغوطين وقلقين بشأن شيء ما، فهذه الإثارة تثير الحواس وتخلق شعورًا فسيولوجيًا بالسعادة لذا يُمكن القول عنه أنه "الإجهاد اللطيف".

2. تعزيز تقدير الذات: العديد من المشجعين يتعزز لديهم تقديرهم لذاتهم بشعورهم بالإنجاز والنجاح عندما يفوز فريقهم أو لاعبهم المفضل، وغالبًا ما يُشار إلى هذه الحالة بالشعور بالفخر والمجد، كما يعتقد البعض أن مراقبة اللاعبين ذوي المهارات العالية سيُحسن من أدائهم وسيعزز قدراتهم الرياضية الخاصة.

3. المتعة والترفيه: الناس يسعون للترفيه والترويح عن أنفسهم باستمرار، وما يجعل كرة القدم مُسلية، كونها كأي رياضة مثيرة، عفوية ولا يُمكن السيطرة عليها، وهنا يكون المشجعون الراغبون في التسلية أكثر حماسًا وتحفزًا لمشاهدة مباراة عالية المستوى، ماتعة، أكثر من مشاهدة انتصار لفريق أو لاعب معين.

4. القيمة الجمالية والأداء: ينجذب البعض للمستويات العالية من المهارة والكفاءة والإبداع التي يُظهرها اللاعبون، أو الخلق المُهذب وروح التضحية والتفاني والجمال الكامن بالأداء الرياضي.

5. الهروب من روتين الحياة اليومية: متابعة كرة القدم أو الرياضة بشكل عام، هي وسيلة يمكن من خلالها الهروب من ملل الحياة اليومية، فهي بمثابة تسلية وإلهاء عن المخاوف اليومية وبالتالي الحد من مستويات التوتر.

6. التسهيل الاجتماعي: توفر متابعة ومشاهدة الرياضة فرصة نادرة للترابط والحضور الاجتماعي والشعور بالتضامن والتوحد ولو مؤقتًا، ويُقسّم بعض العلماء "التسهيل الاجتماعي" لعنصرين مختلفين: الانتماء للمجموعة والترابط الأسري.

وفي الانتماء للمجموعة يسعى المشجعون إلى تعزيز الروابط الاجتماعية والحفاظ عليها (كالأصدقاء وزملاء العمل) من خلال التجربة المشتركة أثناء مشاهدة المباراة، وكذلك المشاركة في الخطاب الاجتماعي المتعلق بها، أما أولئك الذين يحفزهم الترابط الأسري فتجذبهم الأحداث الرياضية لأنها تمنحهم الفرصة لقضاء بعض الوقت مع أفراد الأسرة.

7. عوامل اقتصادية: كالسعي لكسب المال بالمراهنة أو المقامرة أو الاستفادة من تذاكر مجانية أو رخيصة، كما أن النوادي الرياضية استثمار لكثير من الناس سواء كمستفيدين وأصحاب مصالح أو مُشاركين في ملكية النادي عبر الأسهم وغيرها.

هذه أبرز العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع الناس لتشجيع كرة القدم، كما أن هناك عوامل أخرى محفزة مثل:

  • قيمة النادي كعلامة تجارية.
  • الرغبة في اكتساب المعرفة والخبرة.
  • الاختلاط والتفاعل الاجتماعي.
  • الحالة التي تصنعها مشاهدة مباراة.
  • الجاذبية أو المهارة البدنية للاعبين.
  • الأسرة وكونها مشجعة للكرة.
  • ولاء المشجع لنادي أو لاعب مُعين.
  • التمايز والشعور بالتفرد وحب الذات.
  • الرغبة في الحصول على التأييد.

لماذا نشجع فريقًا أو لاعبًا بعينه؟

يُعرّف الانتماء الرياضي بأنه التزام شخصي ومشاركة عاطفية لدى المُشجعين تجاه الفرق الرياضية أو اللاعبين، وكلما كنت كمشجع أكثر انخراطًا مع فريق أو نادي رياضي معين، فإن هذا يطور لديك الشعور بالانتماء والولاء له، فتصبح تشعر بذاتك من خلال فريقك وتبدأ في التعبير عن هويتك للآخرين من خلال دعمك وارتباطك بهذا الفريق، مثلًا من خلال ارتداء قمصانه أو استخدام لغة وشعارات تُعبّر عنه مثل "الأهلي فوق الجميع" أو "يا زمالك يا مدرسة".

وتوفر العائلة والأصدقاء بيئة يتم فيها تشكيل الانتماء للفريق والولاء له، وفي مرحلة الطفولة تعتبر الأسرة المؤثر الأساسي لتشكيل الوعي بالتشجيع، ويُمكن أن يبدأ في سن الخامسة تفضيل الطفل لفريق على آخر والأب هنا هو صاحب أعلى تأثير، وفي وقت لاحق يُصبح المجتمع المدرسي والأصدقاء لهم التأثير الأبرز.

إذًا ما الدوافع وراء الانتماء لفريق كروي دون آخر؟

  1. العلاقات الشخصية: فعائلتك وأصدقاؤك وزملاؤك في العمل قد يكون لهم تأثير كبير في تفضيلك لفريق على آخر.
  2. دوافع رمزية بالنسبة لك: مثل أداء الفريق والفوز وإعجابك باللاعبين أو المدرب.
  3. دوافع جغرافية: الفريق يمثل مدينتك أو بلدك.
  4. دوافع وظيفية: يُمثل لك الإثارة والمتعة والهروب من روتين الحياة اليومية.

وأثناء صناعتك كمُشجع إن كان الدافع الأبرز لك هو "تقدير الذات" (اختصارًا شعورك بالفخر والمجد) فهذا سيجعلك قوي الانتماء والولاء للفريق، ومن ثم يصبح فريقك أو لاعبك المفضل أكثر مركزية في تشكيل هويتك وانتمائك الكروي. 

وكلما كان أداء فريقك جيدًا كلما كان شعورك بالإنجاز والإنجاز المكتسب أكبر وأعظم، أما إن كنت مشجع ضعيف الانتماء والولاء لناديه فهذا يعني أن ما سيجذبك أكثر هو المتعة والترفيه وعندها ستكون أقل قلقا على أداء فريقك.

وهنا يجدر الإشارة إلى أن معنى "تقدير الذات" يمكن أن يكون شيئًا مستقلًا عن كسب المباراة أو الفوز، فحتى وفريقك يخسر يُمكنك أن تحتفظ بنفس درجة تقدير الذات كنتيجة لشعورك بالانتماء والاحتواء ضمن جماهير مشجعي الفريق، بل عندما تصبح منتميًا للفريق يتعزز شعورك بالانتماء للمجموعة، فتصبح لا تفكر كونك عضوًا في مجموعة مشجعين ولكن بوصفك عضوًا في الفريق ذاته.

وللمفارقة، أنك كمشجع قد لا تنتمي لفريق، ولكن تنتمي للاعب بعينه أو مدرب بعينه، فقد تدعم لاعب بدلًا من الفريق، وتراه امتدادًا لنفسك، فقد تُشجع محمد صلاح، نجم نادي ليفربول الإنجليزي؛ لأنك تعتبر وضعه كنجم داخل اللعبة ينعكس بشكل إيجابي على ثقافتك وكونك مصري أو عربي. 

ويُستخدم هذا اقتصاديًا من قبل أندية كرة القدم لزيادة حصتها السوقية، كالأندية الأوروبية التي تشتري لاعبين أسيويين ذو شعبية في بلادهم، بل أن نادي روما بتوقيعه للاعب الياباني الشهير "هيديتوشي ناكاتا" قد زاد عدد مشجعيه من الإيطاليين أنفسهم زيادة بالغة.

دعني أزيدك: أنت كمشجع قد تكون منتميًا لكرة القدم ذاتها دون أن تنتمي لفريق أو لاعب أو مدرب، كما يُمكنك الانتماء لفريق كروي دون الاهتمام بكرة القدم ذاتها (كونه يخص جامعتك مثلًا).

وقد تكون مشجعًا مؤقتًا فلا يستمر تشجيعك طويلًا، مثلًا: تشجع منتخب بلدك عند صعوده لبطولة كأس العالم. أو مشجعًا محليًا حيث تتابع كرة القدم في قريتك أو محافظتك أو بلدك فقط. 

وقد تكون مشجعًا مخلصًا، فمهما حدث تظل وفيًا لفريقك أو لاعبك المفضل. وقد تصبح مشجعًا متعصبًا أو مشجعًا متطرفًا، والمشجع المتطرف هو الذي يستخدم كونه مُشجعًا كطريقة أساسية لتحديد وتعريف هويته الذاتية، مما يسبب في انخراطه بسلوك معادي للمجتمع مثل ترديد الهتافات العنصرية والشغب.

وأثناء صناعتك كمُشجع، إن كان الدافع الأبرز لك هو تقدير الذات والشعور بالفخر والمجد، فهذا سيجعلك قوي الانتماء والولاء للفريق

إذًا، مشاهدون بالمليارات لمباريات كرة القدم، ومُشجعون للفرق بمئات الملايين من البشر، وروابط مُشجعين وأعضاء بالنوادي ومتبرعين لها، ومتابعون بعشرات الملايين على صفحات التواصل الاجتماعي، ولاعبون كنجوم لامعة بالنسبة لمشجعيهم، ما جعلنا أمام ملحمة تمتزج فيها متعة الفنون بانتصارات الحروب عبر لغة عالمية يفهمها البشر، ولكن السؤال: هل حقًا تستحق كل هذا العناء؟!

 

اقرأ/ي أيضًا:

حروب المدرجات في الكالشيو من روما إلى ميلانو

قرار الجماهير أن تصير "ألتراس"