ساعات قليلة مرت على عملية "طوفان الأقصى"، ويستعد نادي سيلتيك غلاسكو للدخول إلى مباراته ضد كيلمارنوك في الدوري الإسكتلندي الممتاز. تجلس جماهير النادي حاملة الأعلام الفلسطينية، رافعة شعار "الانتصار للمقاومة"، وفي فترةٍ حرجة، خاصةً وأن المجتمع الدولي الأوروبي يدعم الدولة الصهيونية على عكس ما تدعم الجماهير.
ليست المرة الأولى لسيلتيك غلاسكو
ما رآه الجماهير في مباراة السابع من أكتوبر ليس جديدًا على سيلتيك، جماهير الفريق ترفع علم فلسطين منذ أعوامٍ طويلة، وظهرت بشكلٍ أكبر عام 2016 عند وصول الفريق إلى دوري أبطال أوروبا. وقتها رفعت الأعلام في مدرج "سيلتيك إند"، وبجانبها شعار لجمجمة ترتدي علم دولة القدس والكوفية، دلالة على دعم التضحية في سبيل الوطن.
لطالما دعمت مجموعة "جرين أولتراس" المقاومة الفلسطينية، وعرضت أعلام ولافتات تدعم القضية حتى أمام فرق الدولة المُحتلة في البطولات الأوروبية التي يشارك فريقهم فيها. في مباراة ضد هبوعيل بئر السبع، ضمن الأدوار التأهيلية لبطولة دوري أبطال أوروبا، رفعت الجماهير أكثر من 100 علم فلسطيني أمام ضيفهم من أراضي الاحتلال. حتى عندما غرم الاتحاد الأوروبي النادي، لم يقف دعم الجماهير لبلادٍ ذاقت ما ذاقه أهالي غلاسكو، بل وجمعت تبرعات أكثر من 130 ألف جنيه استرليني لضحايا العدوان.
تشابه بين معاناة أهالي غلاسكو المهاجرين والفلسطينيين
لمعرفة سبب دعم جماهير سيلتيك غلاسكو، من المهم معرفة تاريخ مشجعي النادي. حب المشجعين للمقاومة يأتي من جذور معاناة الأيرلنديين، والتي كان سببها مجاعة أيرلندا الكبرى التي حدثت بين 1845 و1852 ميلاديًا. ثلث سكان أيرلندا اعتمدوا وقتها على محصول البطاطس السنوي، والذي أتلف بسبب آفة زراعية في جميع أنحاء أوروبا.
فترة المجاعة شهدت هبوطًا في نسبة السكان، والتي نقصت مليون ونصف نسمة. هذه الخسارة كانت بين وفيات وتهجير، وهذا بعد أن شقت الأمراض طريقها إلى المناطق المزدحمة وقرر 80 ألف مواطن ترك أراضيهم في أيرلندا والتوجه إلى باقي بقاع الأرض، ومنهم 50 ألف مهاجر استقروا في غلاسكو في الفترة بين 1846 و1851.
لم يستقبل أهالي غلاسكو الأيرلنديين بالأحضان، بل واجهوهم بالتفرقة الدينية لأنهم يعتنقون المذهب البروتستانتي، على عكس الأيرلنديين معتنقي المذهب الكاثوليكي. هذا ومع قدوم الأيرلنديين من مجاعة بدون مال وبأمراض حملوها معهم، نظر لهم الإسكتلنديون وكأنهم سيهبطون بمستواهم الاجتماعي والأخلاقي، خصوصًا وأن معظم من هاجروا لم يحصلوا على تعليم، ومعظمهم كانوا عمالًا ذوي سمعة بالعنف ضد الجميع إلا أهاليهم.
حتى نشأة نادي سيلتيك حدثت لنصرة المهاجرين الأيرلنديين في غلاسكو، وحدث على يد ولفريد الكاثوليكي الذي أنشأ النادي في عام 1887، وليصبح مصدر أساسي لجني المال الذي يتحول إلى تبرعات، وتذهب إلى العائلات الأيرلندية الفقيرة في المدينة.
جماهير سيلتيك تقف خلف الفلسطينيين، ولا تنوي الجلوس
في رياضة ترى أجهزتها التنظيمية أن لا مكان فيها للسياسة، وتطبق اللوائح على من يدعم ما لا يحبون، تظل جماهير سيلتيك غلاسكو مساندة لأهالي فلسطين المحتلة. يظهرون بالأعلام حتى لو نوه الاتحاد الأوروبي لكرة القدم عن فعل هذا، ويخرجون بأعلامهم في كل فرصة ممكنة، لتذكير الأوروبيين بالقضية الفلسطينية التي يدعمون فيها الطرف المستعمر.
لا يدعمون حماس ولا فتح، وقد لا يعرفون حتى الفارق بينهما. ما يقفون معه هو المقاومة، من أيًا كانت طالما تقف في صف أصحاب الأرض الحقيقيين. حتى مع إصدار العقوبات ضد النادي، يكمل نادي سيلتيك رحلته في دعم أهالي فلسطين ولا ينوون التراجع منذ بدأت هذه الظاهرة الوحيدة من نوعها في ملاعب أوروبا الكبرى.
أما إدارة سيلتيك نفسه، فقد لا يتشارك نفس الرأي مع جماهيره. إدارة النادي أمرت من قبل بإزالة الأعلام واللافتات المؤيدة لفلسطين من مدرجات ملعبهم في 2021، وهذا قبل مبارياتهم أمام نادي سانت جونستون وأثناء الغارات الصهيونية على الأراضي الفلسطينية.
هذه الأعلام وُضعت عند الاحتفال بمسيرة سكوت براون، قائد الفريق، والنادي أقر بأن "مجموعة صغيرة حاولت استغلال هذه الفرصة، واستفادت من مناسبة كانت لقائد الفريق. [.....] هذا غير مقبول، والنادي أزال هذه الشعارات.". رد الفعل طبيعي لأن النادي يريد تفادي العقوبات، ولكن العالم كله يعلم أن جماهير كرة القدم، وبالذات جماهير سيلتيك، لا يمكن ترويضها مهما حدث.
هذا في نفس الوقت الذي تدعم فيه كل الدوريات الأوروبية الكبيرة القضية الأوكرانية، والتي قد لا تختلف عن القضية الفلسطينية إلا في اختلاف الجنسية، والتي يفضلها الأوروبيين لأنها تقع بينهم ولمن يشابههم. القضية السياسية الأوروبية أهم من أي قضية أخرى، وهذا ما أثبتته جماهير سيلتيك بدعمها لقضية في قارة أخرى لا تمت لهم بصلة، ولكنهم عاشوا آلامها من قبل.