تظلُّ الأشياء التي لا أستطيع وصفها عالقةً في رأسي مثل سنارةٍ

تُدخِلُ دودةَ الذاكرة لأحشائي، تُقرِّضُ المكان من حولي،

ومثل سنارةٍ تدمي رأسيَ الأفكار.

 

تتساقط الخطوطُ الضبابيةُ القادمة مع صوت المطر

فيبدأ الماءُ حربه الأزلية مع الضوء المنكسر فوق النافذة.

أنهض إلى النافذة وأفتحها

وكأنه آخر شيءٍ تودّ يداي القيام به،

وكأن وحشًا يريدُ أن يقز من صدري أسفل النافذة

لكني أمسك به -من كتفي- وأعود للسرير.

أغمض عيني –بيديه- بينما تتساقط القطراتُ... فيصير الصوتُ هو الصورةُ.

قلبي يدقّ معها

واحد.. اثنان.. ألف... كل القلوب قلبي، كلها تصيرُ قطرةً واحدة.

والقطرات تصيرُ بركةً

يومضُ من سطحها وهج الأشعّة نحو الصّور المعلّقة فوق الجدار

حتى إذا التقى الضوءُ بالعيون، تلقّطها بمساميره الفضيّة

وعاد للماء مختلًا.

 

يسيلُ الماءُ مع جمع العيون محوّلًا غرفتي لنسيجٍ من الظلال المتحرّكة.

كلّهم ينظرون إليّ ويشيرون إلى البساط المغرورقِ في حُمرةٍ

كأنه دمي.

أنت... أيها الموزّع في أجسادنا!

لماذا يشيرون نحوي كلما ذكروكَ في نشرة الأخبار؟

ماذا ظلّ لديكَ علينا؟

خذ عينًا

مِن ملّاح أحلامنا الجنوبيّة

مِن صُرر أمنياتِ صبيّةٍ، حملتْ ملح البحر في فمها كي تسألك

ماذا ظلّ لديكَ علينا؟

خذ عينًا... وابدأ قيامةً.

 

الغرفةُ تدور من حولي، وسريري قاربٌ تهزّه العيون من فزعه

وأنا مستلقٍ في بطنه الصّخري

أعاين الحزن ينسكب من كل صورةٍ

أراه قادمًا بعد حينٍ، يتبعُ العيون ويسيلُ مع الماء إليّ رويدًا رويدًا.

ساعةٌ... ساعتان... نهارٌ كامل ولا تصلُ حافةَ السّريرِ عينٌ واحدة

كم عليّ أن أنتظر رفاقي؟ كم علي أن أبكي كي يسرع الماء بهم إلي؟

ألا يأتونني مرةً واحدةً فأرتاح؟ أو أروحهم أنا بنفسي وأقدّم عيني فديةً؟

لكنّه عضالُ المنفى

لا أنهض ولا أستيطع الغرق.



اللعنة.. لماذا يكون سريرُ الشّمال بهذا العلوّ؟

كيف يكون من حجر الصَّوان ولا يغرق؟

ما سرّ النوافذ تغرينا إذا جئناها خائفين؟

لماذا يصيرُ السجن أكثر ضيقًا لو فُتحت فيه نافذةٌ للضوء؟

كيف ينحرف الضوءُ بين وسطين شفّافين ولا يغرق؟

كيف تنجو العيون من مسامير الضوء؟

كيف تسبقنا العيونُ طريقَنا؟

كيف يسبقنا الطريقُ إلى غدنا؟

ومن أين.... من أين للماء أن يصنع بنا كلّ هذا؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

الهروب مِن الغرفة

وجوه غيرّ الموت ملامحها