27-يناير-2024
الجوع والمجاعة في قطاع غزة

مستويات انعدام الأمن الغذائي ترتفع في غزة وتصل إلى مستويات كارثية في شماله (Getty )

تحذر العديد من المنظمات الإنسانية من أن الجوع يشكل التهديد الأخطر على سكان قطاع غزة، خاصةً مع استمرار العدوان الإسرائيلي للشهر الرابع، واستمرار قوات الاحتلال في عرقلة دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ما يتسبب في تفاقم الأوضاع الإنسانية. وتظهر التقارير منع وصول المساعدات إلى مناطق شمال القطاع، مما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا ويعرقل جهود تقديم الدعم الضروري للسكان المحاصرين. إذ يناشد العديد من النشطاء والمنظمات الدولية المجتمع الدولي، التدخل الفوري للتخفيف من معاناة السكان في ظل هذه الأوضاع الإنسانية الصعبة.

وبحسب تقرير نشرته وكالة التنمية الدولية بالاعتماد على بيانات هيئة الأمم المتحدة، يواجه 93% من سكان غزة "مستويات كارثية من الجوع"، وقال التقرير إن أكثر من نصف مليون شخص، وهو ما يمثل ربع سكان القطاع، يواجهون انعدامًا تامًا للأمن الغذائي والمجاعة.

من جهته، قال المتحدث باسم برنامج الأغذية العالمي ستيف تارافيلا الشهر الماضي: "إن حجم هذه الأزمة وسرعتها لم يسبق له مثيل في العصر الحديث"، وأضاف: "إذا استمرت التوقعات الحالية، فسنصل إلى المجاعة بحلول شباط/فبراير".

حسب تقرير نشرته وكالة التنمية الدولية بالاعتماد على بيانات هيئة الأمم المتحدة، يواجه 93% من سكان غزة مستويات كارثية من الجوع

من جهتها، قالت جولييت توما، من وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": "إذا أردنا منع المجاعة.. فنحن بحاجة إلى التأكد من وجود زيادة كبيرة في نشاط القطاع الإنساني والتجاري".

هذا، وسلط تقرير لصحيفة "الواشنطن بوست"، الضوء على حالة ست عائلات فلسطينية في سعيهم اليومي للحصول على الغذاء، وهو ما يعكس الوضع الصعب في القطاع جراء النقص الحاد في توفر المواد التموينية، وهو ما ينذر بانتشار المجاعة على نطاق واسع.

علف الحيوانات هو المتاح

وقال محمد، لـ"الواشنطن بوست"، إن حياته أصبحت أكثر صعوبة، حيث يُضطر يوميًا إلى الانتظار في طوابور، من أجل الحصول على بضعة أرطال من الدقيق. وعندما يعود للمنزل، دون نجاح في الحصول على الدقيق، يعاني مع أطفاله الخمسة من "الجوع والإذلال"، ويضطر إلى اللجوء لطحن علف الحيوانات لتحضير الخبز على موقد مؤقت، في محاولة يائسة لتوفير الطعام لأسرته.

ويشير محمد إلى أنهم لا يعلمون مدى خطورة تناول العلف على صحتهم، ولكنهم لا يمتلكون خيارات أخرى. معبرًا عن قلقه حيال استمرار هذا الوضع، محذرًا من أنه قد يصل الأمر إلى حد رؤية أشخاص يفنون بسبب الجوع في الشوارع.

وأوضح محمد من بيت لاهيا، أن الوضع يزداد تعقيدًا مع طفله البالغ من العمر 7 أشهر، إذ يعاني من الجفاف وسوء التغذية، وتواجه والدته صعوبات في إرضاعه بسبب الجوع.

أقفاص صدرية بارزة

تتكرر مأساة الانتظار والحاجة إلى الطعام في حياة جار محمد، محمد أبو شرخ، في بيت لاهيا. ويصف محمد أبو شرخ تجاربه حيث ينتظر عدة أيام في الطابور نفسه من أجل الحصول على الطحين. وفي الوقت نفسه، يروي القصص عن آخرين يتوجهون "شمالًا إلى الأماكن التي تواجد فيها الجيش الإسرائيلي، على أمل العثور على البضائع المعلبة التي تم تركها وراءهم".

محمد أبو شرخ يشير إلى أن بعض الأشخاص عادوا من تلك المناطق محملين بالطعام، في حين قتل آخرون في محاولتهم. ويتحدث الرجل، الذي يبلغ من العمر 39 عامًا، عن تأثير الأزمة الغذائية على أطفاله الستة، حيث فقدوا وزنهم وأصبحت أقفاصهم الصدرية بارزة. بسبب نقص الطعام الحاد، إذ يقدم لهم وجبة واحدة في اليوم، غالبًا في الليل، بهدف تسهيل نومهم دون بكاء بسبب الجوع.

ماتت من الجوع

وتروي صباح أبو عطايا، البالغة من العمر 19 عامًا، قصة عن النزوح وسوء التغذية خلال فترة حملها بطفلها الثاني. لقد نُزحت صباح ثلاث مرات أثناء فترة حملها، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، كانت تقتصر وجباتها على وجبة واحدة في اليوم، وعادة ما تكون معلبة.

وقد وضعت صباح طفلتها وفاء في 15 كانون الأول/ديسمبر، وكانت الطفلة تزن أقل من 2.5 كيلوغرام، حيث أرجع الأطباء ذلك إلى سوء التغذية الذي كانت تعاني منه صباح.

ونزحت العائلة مرتين في الشهر الأول لولادة وفاء بهدف الهروب من القتال. ووصلوا في 16 كانون الثاني/يناير إلى منطقة آمنة نسبيًا في رفح، إلا أن حالة صباح كانت صعبة، حيث كان صدرها بالكاد يفرز الحليب. وكما قالت صباح: "كانت الطفلة ترضع من الثدي مرة أو مرتين في اليوم".

وتختم صباح قصتها، بالحديث عن وفاة وفاء، البالغة من العمر 35 يومًا فقط، التي أصبح لونها أزرقًا في يوم الجمعة 26 كانون الثاني/يناير، عندما سارعوا بها إلى مركز طبي، ومن ثم تم إرسالها إلى مستشفى، قبل الإعلان عن وفاتها. وقالت والدتها: "ماتت الطفة نتيجة للجوع والبرد، والحرب لم تنتهي".

توزيع وجبات غذائية

لا يوجد شيء

وتعكس قصة ريم الواقع الذي يواجهه الكثيرون في مدينة غزة، بفقدانها نحو 13 كيلوغرامًا من وزنها، قائلة: "ارتفع سعر الدقيق، ولا توجد فواكه أو خضروات. لا شيء يحتوي على الفيتامينات. لا شيء يحتوي على البروتين".

كانت ريم تعمل في القطاع الإنساني قبل الحرب، ولكن الأوضاع الحالية جعلتها تعتمد على إمدادات محدودة من الأرز، وفي بعض الأحيان يكونون قادرين على العثور على البسكويت من وكالات الإغاثة.

والبحث عن الإمدادات يشكل تحديًا إضافيًا حيث يقضي زوج ريم وأطفاله ساعات في الخارج، بينما تظل ريم في المنزل لرعاية حماتها العاجزة.

مرة واحدة

تعكس قصة ميرفت الواقع الذي تعيشه العائلات النازحة في مدينة رفح، بينما يقيم مليون نازح في تلك المنطقة، وتشير ميرفت إلى أن التوزيع غير العادل يؤثر على قدرتها وقدرة الآخرين على الحصول على المساعدة الغذائية.

وتظهر الظروف الصعبة التي تواجهها ميرفت، حيث أنها تعاني من مرض السكري وتأثرت بعدوى في الكلى، على الأرجح نتيجة لظروف الجفاف. وتقول إنها تأكل مرة واحدة في اليوم إذا كان هناك طعام متاحًا.

وعود لما بعد انتهاء الحرب

تعيش عائلة شاهيناز نوفل، المكونة من 50 فردًا، قرب الحدود المصرية، في ظروف قاسية إذ يعيشون في خيمتين على الرمال، وقد نزحوا ثلاث مرات. شاهيناز، البالغة من العمر 38 عامًا وأم لستة أطفال، وتواجه صعوبات كبيرة في الحصول على الطعام.

إذ تجد صعوبة في الحصول على زجاجة ماء وعلبة من اللحم أو التونة أو الجبن التي تحصل عليها أسبوعيًا من الأمم المتحدة. وفي أيام جيدة، تستطيع العثور على المعكرونة التي تطبخها على النار التي تشعلها من النايلون أو قصاصات الورق. مشيرةً إلى أنها وعائلتها يتوقون حتى لكوب من الشاي، لكن سعر السكر مرتفع.

وتضيف شاهيناز، أن طلفها يلح عليها بشكلٍ يومي، من أجل الحصول على بيضة، فيما تعده بشراء طبق كامل من البيض، بعد نهاية الحرب.

وتشير الصحيفة الأمريكية إلى أنه لا توجد تقديرات دقيقة لعدد الفلسطينيين في غزة الذين فقدوا حياتهم بسبب الجوع، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. يعزى ذلك إلى حالة الخراب الكبيرة في النظام الصحي، حيث لم يتم إحصاء العديد من الحالات الوفاة، أو لم يتم تحديد السبب بدقة. وفي العديد من الحالات، تظهر الصحيفة أن المستشفيات القليلة المتبقية تسجل ضحايا الهجمات الإسرائيلية.