لم يكن هناك أيّ شك في أن ينتخب ميشال عون رئيساً. الكتل التي نزلت للتصويت، أعدّت سلفاً النتيجة. ولو بفوارق "مضحكة"، تم خلالها إسقاط أوراق بيضاء وأسماء توحي أن العملية الانتخابية برمتها، كانت فصلاً من مسرحية هزلية. وبالتأكيد لن يكون ضحاياها إلا الجمهور الذي جلس في بيته يشاهد "انتهاء" ديموقراطية لبنان "المدّعية"، منذ خروج جيش الانتداب الفرنسي، واختلاق ما يسمى بـ"رقعة" جمهورية لبنان الكبير. 

عملية التصويت لانتخاب رئيس لبنان كانت أشبه بمسرحية هزلية ولم تكن النتيجة مفاجئة 

لكن يبدو أن برلمان لبنان المعطل، بُنيةً وفعلًا، أنجز مهمته "التعجيزية". مدركًا بشكل مسبق السيناريو "المسلي"، الذي نكهه "أبو مصطفى" (نبيه بري)، بعفويته المعهودة وأيضاً بقسوته التي أحالت، بشيء من العتب والحزن، إلى تشبيه المجلس بـ"مدرسة المشاغبين". ولم يكن ليتوانى أيضاً عن توجيه توبيخات إلى نوابه، تضمر بالعلن كما في السرّ، أن اللبنانيين فقدوا قدرتهم على سدّ فراغ مؤسساتهم. ففي جملته، بعد تكرار عملية الاقتراع التي وصلت إلى 4 محاولات: "نسينا ننتخب. النا زمان. يا عيب الشوم".

وفي "تعييبه" للمجلس فقدانه الإدلاء بأصواته، باسم شعب مسلوب قراره، يحيل بري العمل السياسي كله إلى فعل التهاء. كما حصل في جلسة اليوم. حين نرى ضجر بعض النواب في جلوسهم داخل قاعة لم يدخلوها منذ فترة طويلة. واضطرار بعضهم إلى التسلية بتصفح مواقع على الإنترنت، إو بإنهاء مراحل إحدى الألعاب على الهواتف الذكية.

أقرأ/ي أيضًا: جيل "عون": جزمة تلو جزمة لنسقط بسلام

والحال أن بري، يعلم كغيره، أن الشغب سلوك متجذر في الفعل السياسي، وأسوأ ما يضمره هو السلاح وحمله في وجه الإخوة بين بعضهم. وليس فصل يوم "7 أيار" إلا إحدى بروفاته المستنسخة. وفي الجلسة يظهر هؤلاء مشاغبتهم الأقل ضرراً. تلك التي لا تشبه تصريحاتهم المضللة والملفقة والكافية لتعطيل البلد برمته وتعريض أمنه وناسه لمزيد من التفجر والاهتزاز، والاقتتال والانزلاق إلى حروب الآخرين.

الشغب الذي مارسه نواب لبنان كان تحت عيون ديبلوماسيين وسفراء دول عربية وغربية. استخدموا فيها "ولدنتهم" المؤجلة، التي لا تحتمل الجدّ ولا المزاح، بل هي بشيء من التعيين، سخرية ممن انتخبهم يوماً بشعارات نسفت في ظل "التسوية الجديدة"، التي رعاها أقطاب "التنافر" ظرفيًا.

الشغب الذي مارسه نواب لبنان كان تحت عيون ديبلوماسيين وسفراء دول عربية وغربية

لكن الأبرز، في مجلس منّوع الأضداد، تجمعهم مصلحة واحدة (ليس مصلحة لبنان بالطبع)، أنه انتخب بصوت واحد ميريام كلينك. وكلينك في حضورها الإيروسي، كانت أكثر تعبيراً عن المجلس واجتماعه القائم والإضطراري. فهذا اليوم التاريخي، كما يحب البعض تسميته، نظراً لاتباعه أسلوبًا انتخابيًا "غير شرعي"، كرّس أحد اوجه لبنان المعاصر، بما يحمله من تذرر وإسفاف. وربما، يكمن سرّ هذا المجلس بأنه يتماثل مع ما تقدمه كلينك من فن هابط. لذا جاء هذا الصوت مدوّياً بضحكات هيستيرية، وبتعليقات "ذكورية" تبادلها رئيس المجلس مع بعض النواب، على هامش اقتراع كلينك "المفاجىء". وهو اقتراع لا جديد فيه أيضًا، سوى أنه ألبس المجلس وجهه الأفضل وعبّر عنه.

وتستحضر كلينك في تسميتها، استخفافًا، بما ينتج هذا المجلس وبما يفعله. فعون، لن يكون بطبيعة الحال، إلا صورة هزيلة عن لبنان القوي/الفاعل والمحصّن. فالرجل الذي يعدّ ذراعاً حليفاً لحزب السلاح (حزب الله)، وأحد داعمي "دويلة" إيران في "مزرعة" لبنان، يشكل انتخابه استخفافًا جمعيًا مارسه النواب بأكثر الطرق سخرية ونفاقًا، وبالتأكيد في أكثر ضروب "الخيال - اللبناني"، في تحويله مزرعة الطوائف إلى "نكتة" يكررها الأهل والجيران ولست سنوات قادمة.

أقرأ/ي أيضًا:

لبنان.. ولاية الفراغ

"عون أكبر من بلدو".. موسم السخرية من الجنرال