لا تزال الهبة الشعبية في فلسطين، أو "انتفاضة القدس" كما يسميها الفلسطينيون، مستمرة بعد شهرين تقريبًا من اشتعالها، وفي المقابل ما زالت وحشية الاحتلال الإسرائيلي وتنكيله بالفلسطينيين مستمرة أيضًا. قتل بالمئات وتصفية وإعدامات ميدانية وبدم بارد، آلاف الجرحى والمعتقلين، تهويد للقدس واقتحامات متواصلة للقرى والمدن والجامعات والمشافي في الضفة الغربية، والقدس على وجه الخصوص، ناهيك عن الحواجز المنتشرة على طول مناطق الضفة الغربية وعرضها والتي تنغص على الفلسطينيين حياتهم.
هل يعقل للحجر أن يكون سلاحًا كما الرصاصة؟ وهل يمكن للسكين أن تقف في وجه بندقية حديثة الطراز؟
هذا جزء صغير من واقع الحياة اليومي في فلسطين، حيث يقف الفلسطيني وحيدًا في مواجهة غطرسة المحتل الذي لا يرى أحدًا أمامه، في ظل صمت عربي ودولي يرى ولا ينطق وكأن شيئًا لا يحدث هنا، وفي ظل غياب للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها والأحزاب الفلسطينية عن ساحة المواجهة المباشرة.
لا يملك الفلسطيني في ظل ما يواجهه وحيدًا سوى الرد بوسائل قد تكون بدائية، لكنها قد تحمل نوعًا من الإبداع أحيانًا، وبالرغم من تأثيرها مهما بلغ حجمه وشكله على المحتل، فإنه لا يصل ولا بأي حال من الأحوال إلى مستوى الرد الموازي إن صح التعبير، لما يتعرض له من إجرام وانتهاكات مستمرة. وهنا أضع تساؤلًا؛ هل يعقل للحجر أن يكون سلاحًا كما الرصاصة؟ وهل يمكن للسكين أن تقف في وجه بندقية حديثة الطراز؟
قد ينظر القارئ إلى هذه التساؤلات من زاويتين مختلفتين، فإذا نظرت من زاوية العاطفة قد تستطيع إقناع نفسك بأن الحجر سيغلب رصاصاتهم ومدرعاتهم، لكنك إذا اتجهت نحو زاوية الواقعية فستجد الأمر مختلفًا كليًا، فحينها ستتضح لك الأمور أكثر، وسيتسع أفق رؤيتك، فالقوة تحتاج فقط إلى قوة لردعها لكن بشروط، وهذا ما يجب علينا إدراكه، لكن كلامي هذا قد يصطدم بواقع آخر، وهو ماذا يمتلك الفلسطينييون من وسائل قوة أو على الأقل وسائل رادعة؟ علمًا بأنهم يعيشون في ظل أوسلو ومخاضاتها وتبعاتها التي جبلت بواقعهم ومناحي حياتهم، ابتداء من السلطة الفلسطينية، ومرورًا بالتنسيق الأمني، ووصولًا إلى ارتباط الاقتصاد الفلسطيني وسياسته بإسرائيل.
وردًا على هذا التساؤل، ماذا كان يمتلك غاندي عندما عمل على تحرير بلاده من الاحتلال البريطاني؟ الإجابة أنه كان يمتلك فكرًا واقعيًا استطاع أن يصوغه ويطبقه بمشاركة كل أطياف وأعراق وديانات ولغات الشعب الهندي على اختلافاتهم، وعمل على خلخلة كيان الدولة المحتلة لأرضه اقتصاديًا عن طرق المقاطعة وغيرها من الوسائل، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف حصول الهند على استقلالها، استطاع أن يعرف ويدرس نقاط ضعف عدوه وعمل على استغلالها، فلماذا لا يتعلم الفلسطيني من التجارب الناجعة؟ ولماذا ما زال الفلسطيني يعتمد على رشق الحجارة كوسيلة مقاومة جوهرية، رغم أنها أثبتت عدم فاعليتها في كل المراحل التي استخدم فيها الحجر كسلاح؟
ينفق الاحتلال ثمن الرصاص الذي يقتلنا به وحسب، ونخسر حياة شبان كانوا سيقدمون الكثير لوطنهم
وأقصد هنا بالفاعلية أنها مدى إلحاق الضرر المباشر ماديًا وبشريًا، ولماذا لا يطور ويعالج هذه الوسيلة وغيرها؟ أو يتم البحث عن بديل فعال لها، بما يضمن استغلال الطاقات المتمثلة بالشبان الذين يقتلون برصاص جنود الاحتلال عند إلقائهم الحجارة ودون إلحاق أي أضرار بالاحتلال، هل الحجارة ستحرر الأرض؟ وهل ستعيد من قتلوا إلى الحياة؟
هذه الأسئلة كلها وأسئلة أخرى كثيرة قد تضعك أمام واقع من الصعب عليك تقبله إذا كنت تسير خلف العاطفة فقط، لكن كيف نسمح لأنفسنا أن نقدم فلذات أكبادنا قرابين للمحتل؟ نحن في هذه الحالة ننفعه ولا نضره، هذه هي الحقيقة المرة، هو يقتل طاقاتنا ومستقبلنا عندما يقتلهم أو يعتقلهم أو يعيقهم جسديًا، دون أن يضروه فعليًا، هو ينفق ثمن الرصاص الذي يقتلهم به وحسب، وهم يخسرون حياة كانت قد تقدم الكثير لوطنهم وتعمل على تحريره، لماذا لا نتفق على وسيلة أو صيغة شعبية تمكننا من إيقاع الخسائر بأكبر قدر ممكن منهم وبأقل خسائر من طرفنا؟ ولماذا يقتل منا المئات مقابل العشرات منهم؟ لماذا ليس العكس؟ ولماذا لا نفعل مقاطعة اقتصاد الاحتلال كخطوة هامة وممكنة التنفيذ دون أي تأثير علينا؟ ولماذا نقبل أن نكون أكبر سوق استهلاكي لمنتجاتهم؟ لو قاطعنا هل سنموت جوعًا؟
في الحقيقة علينا النظر جيدًا في هذه القضايا وبشكل جاد وعملي، ولا بد للمحتل أن يدفع ثمن احتلاله باهظًا، لا أن نعطيه حصة من دمائنا كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش في قصديته "أيها المارون"، لا حق لهم في دمائنا ولا حق لهم هنا، هذا ما يجب أن نؤمن به ونعمل فيه.
اقرأ/ي أيضًا: