ولد المخرج وكاتب الأفلام الكوري الجنوبي بونغ جو هو في 14 أيلول/سبتمبر 1969 وقد لاقت أفلامه ترحيبًا كبيرًا لأنها تحمل في طياتها مضامين ودلالات سياسية واجتماعية حادة. وقد تجلى ذلك بوضوح في عمله الأخير الطفيلي (Parasite) عام 2019، ومن قبله فيلم أوكجا (Okja) عام 2017، وكذلك فيلم محطم الثلج (Snowpiercer) عام 2013، وجميعها أفلام تحمل ثيمات قوية مليئة بالكوميديا السوداء الساخرة من الظروف والأوضاع والمواقف والصراعات ذات الأبعاد العالمية. وغالبًا ما تتسم شخصياته بالحدية والتطرف بفعل شدة الصراع السياسي والمجتمعي التي تنتمي إليها هذه الشخصيات.

تحمل أفلام بونغ جو هو ثيمات قوية مليئة بالكوميديا السوداء الساخرة من الظروف والأوضاع والمواقف والصراعات ذات الأبعاد العالمية

خدم بونغ لمدة عامين في الجيش، وذلك بحسب قانون الخدمة العسكرية الإجبارية لكوريا الجنوبية، ومن ثم تابع دراسته الجامعية عام 1992. كان قد التحق بجامعة يونسي في العاصمة سيول عام 1988 وتخصص في علم الاجتماع، واشترك خلال أعوام دراسته بالاعتصامات والأنشطة السياسية المطلبية، سيما وأن الجامعات في حينها كانت بؤرة للحركة الديمقراطية في كوريا الجنوبية، وذلك مما أثر على نظرته للحياة وظهر هذا التأثر بعد ذلك في أعماله ذات الصبغة السياسية الاجتماعية الحادة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أمهات متوازيات" كدراما للفقد والاستعادة

يشار إلى أنه شارك زملاءه الجامعيين في تأسيس ناد لصناعة الأفلام وأطلقوا عليه اسم Yellow Door وصنع أفلامه القصيرة الأولى، واضطر لتصوير حفلات الزفاف من أجل تأمين سبل عيشه. ويعبر عن نجاح مسيرته السينمائية بالقول: "كنت مجرد معجب للسينما، خجول وساذج، وعمري 12 عامًا عندما قررت أن أصبح مخرجًا. ولكني لم أتخيل أبدًا أن يأتي اليوم الذي سأحمل فيه هذا الكأس (السعفة الذهبية). شكرًا".

انعكاس الصراعات في أفلامه

يعتبر بونغ جو هو أن متعته تكمن في نثر التعليقات السياسية والاجتماعية في أجزاء فيلمه. ولديه مهارة في كسر الرموز والأعراف وفك شيفرات الرسائل بغية إيصال رسائل جديدة. ويرى أنه في المجتمع الرأسمالي الحديث هناك رتب وطبقات غير مرئية للعين. ويشير بالقول: "نحن نبقي هذه الصراعات خفية وبعيدة عن الأنظار، وننظر بازدراء وبشكل سطحي إلى التسلسل الهرمي الطبقي في المجتمعات، معتبرين إياه من بقايا الماضي، لكن في الحقيقة هناك خطوط طبقية لا يمكن تجاوزها".

يصور بونغ جو هو في أفلامه التصدعات الحتمية التي تظهر عندما تصطدم طبقتان ببعضهما البعض في المجتمع المعاصر، حيث ترتفع حدة الأضداد والتعارضات لتنتج صراعات عنيفة. يشير بونغ جو هو إلى أن هدفه من وراء فيلم Parasite كان فقط أن يمنح الجمهور الكثير من الأفكار ليتفكر فيها. ويقول أيضًا: "الفيلم في أجزاء منه مضحك ومخيف وحزين معًا، ففي لحظة يمكن أن يكون كوميديًا وفي لحظة أخرى دراميًا، فالضحك له مسحة من الحزن"، ويضيف: "إذا كان يجعل المشاهدين يشعرون وكأنهم يتشاركون مشروبًا ويتحدثون عن كل الأفكار التي راودتهم أثناء مشاهدته، فلن أتمنى شيئًا أكثر من ذلك".

وأما فيلمه Snowpiercer فيطرح قضية الاختلاف في المراتب الاجتماعية والصراع الطبقي من خلال إسقاط المسألة على مجموعات من الناس تعيش في قطار بشكل منفصل عن بعضها البعض، وحيث كل مجموعة تحتل قسم من عربة القطار وتستحوذ على امتيازات متفاوتة. فالأغنياء يسيطرون على مقدمة القطار، يديرون دفته، ولديهم امتيازات أكبر بكثير من المحرومين الذين يسكنون في ذيل القطار ويخضعون لرحمة الأغنياء أصحاب السلطة.

يصور بونغ جو هو في أفلامه التصدعات الحتمية التي تظهر عندما تصطدم طبقتان ببعضهما البعض في المجتمع المعاصر، حيث ترتفع حدة الأضداد والتعارضات لتنتج صراعات عنيفة

وفي فيلمه OKJA يعالج المخرج الكثير من الأشياء في وقت واحد، ومن أهمها مسألة ميل البشر لاستغلال كل ما يمكنهم الحصول عليه بوفرة. كما يشير إلى مسائل أخلاقية، ومنها جشع الشركات المتعددة الجنسيات واستغلالها للإنسان والحيوان، وتلاعبها بالشيفرات الوراثية تحت حجة خدمة العلم وخدمة الإنسانية جمعاء. فيلم يحاول تصوير الغريزة الحيوانية بداخل الإنسان.

اقرأ/ي أيضًا: بول توماس أندرسون كما يراه نجوم أفلامه

الخوف المبرر من المستقبل

لا يصف بونغ جو نفسه بأنه صاحب نظرة تشاؤمية، لكنه بالأحرى يحاول نقل الواقع ومواجهته بصدق. يقول: "في فيلم Parasite كان تفكيري أن البشرية بعد أن حققت مثل هذا التطور العظيم كالأجهزة المحمولة التي نراها أمامنا والتكنولوجيا الهائلة، ولكن إذا فكرنا في الثلاثين عامًا الماضية، هل تبددت الفجوة بين الأغنياء والفقراء؟ لا أعتقد ذلك"، ويضيف: "أنا أب، هل أعتقد أن الأمور ستتحسن في جيل إبني؟ لا أعتقد ذلك أيضًا. في الواقع هذا هو مصدر لكثير من الخوف. لذلك أردت أن أكون صادقًا مع هذا الخوف والحزن وأن أقوم بإيصال هذه الهواجس والمخاوف".

ويشير إلى بلده، كوريا الجنوبية، بأنها تعتبر دولة غنية ومتطورة جدًا، إلا أن هذا التطور والغنى كلما تراكم زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعًا. ويعلق بالقول: "تبدو كوريا، ظاهريًا، وكأنها بلد غني جدًا وساحر الآن، مع انتشار موسيقى البوب، والإنترنت فائق السرعة وتكنولوجيا المعلومات، لكن الثروة النسبية بين الأغنياء والفقراء أخذة في الاتساع"، ويضيف: "جيل الشباب، على وجه الخصوص، يشعر بالكثير من اليأس". فبرأيه "مثلما يوجد أشخاص يعيشون في خيام بالقرب من مكان وجودنا في وسط لندن، هناك أشخاص بلا مأوى ينامون في العراء حول المحطة المركزية في العاصمة سيول، هؤلاء هم الأشخاص الموجودون في حيز مخفي ضمن المجتمع".

أفلام بونغ جو تطرح مسألة وجودية بالنسبة للإنسان المنتمي إلى طبقة، حيث إن رائحته وكان سكنه وأكله وشربه وسلوكياته تختلف جذريًا عن إنسان آخر منتمٍ إلى طبقة أخرى مختلفة. كلما كان الإنسان أكثر غنى كلما كان موجودًا بشكل أكبر، وكلما كان الإنسان أكثر فقرًا كلما تقلص وجوده وانحدر إلى أسفل مرتبة اجتماعية. ويعبر عن ذلك بالقول: "نحن جميعًا ندرك هذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ولكن الأمر الأكثر إثارة للرعب هو الخوف من عدم حل هذه المسألة وإنهاء هذا الصراع في المستقبل". إن أفلامه تعد بمثابة استجواب للنظام الرأسمالي، ولكن بمنظور حيادي، فبالنسبة لجونغ بو: "ليس هناك أحد بريء أو مذنب بشكل كلي"، إلا أنه يسعى لنقل هذا القلق الجماعي المتخم في عالم اليوم.

تعتبر كوريا الجنوبية بأنها دولة غنية، إلا أن هذا التطور والغنى كلما تراكم زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتساعًا

اقرأ/ي أيضًا: في فيلم "الطفيلي".. رائحة الفقراء في مرايا السينما

ويرى بأن الصراع الطبقي حتمي في كل مكان في العالم، وكما يمكن أن يكون هناك حوار وتواصل بين طبقات المجتمع المختلفة، ولكن يمكن أن تتخذ المسألة مسارات أكثر دراماتيكية كما نرى في الفيلم. حول هذه النقطة يقول: "عندما كنت أفكر بمدينة باريس، كنت أفكر دائمًا في الشانزليزيه وفي كل شخص يشرب الخمر ويستمع إلى موسيقى الأكورديون، لكني تفاجأت أن مدينة كباريس يوجد فيها ضواحٍ فقيرة"، بحسب ما صرح لمجلة The Talks الالكترونية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم Okja من نيتفلكس..وجبة سينمائية معجونة بالسخرية

"كل الحيوانات الصغيرة" لووكر هاميلتون.. الرواية الفجائعية وشعرية العنف