1

قبل أن تتكلّم العزلة عن ذوبان الجسد في جدرانها، ستنعصرُ هذه الغرفة الضيّقة حتى تكاد تجعلني عرقًا هلاميًّا. سأحاولُ ملامسة حديد الشرفة علّني أنجو، وسأجرّب الغناءَ علّني أنالُ برودة نيرون فيما كانت روما تحترق.

ولا شيء سيذكّرني بقبحِ سجني إلا الريح.

 

2

أمعقول ما أوعزت به العاصفة للأشجار؟ وأنّ ما قيل إنّنا محضُ أيادٍ تمسكُ بجذورها لئلا تطلع من الأرض؟ وأيّ يدٍ من هذه الأياد تلوّح للشجرة التي تغادرُ الأرض لتصبح كراسٍ تهترئ بمؤخرات الأحياء؟ ومن الذي يسوق المتعبين للاستناد على الجذوع: الظلّ أم أحضاننا؟

 

3

ما قاله المركب للهواء الذي يرفعه

والكتبُ لروّاد مقهى "زوايا"

والغيوم للطيور

والمصابيح لظلال العائدين الراتعة في فضاءاتها

والعشّاق لبعضهم في شاشات التلفون:

كيف تعيشون دون أن تفكّروا بشكلٍ هندسيّ لهذا الفراغ؟

 

4

على الشاطئ تلبسُ الريح أيّ عريٍّ يمر، وتتركُ بعضًا من ثيابها فوق الصخور على شكلِ حشائش رطبةٍ، ناسيةً أنّ السماء تبحثُ عن جلدٍ لها في الصيف فتثقلُ جسدها بالقيظِ وأنفاسُ فتيانٍ يتمرّنون على التقاط الصور.

 

5

سأضيئ هذا الصمت الدامس بأغاني فرانك سيناترا، وسأعرض على ظلّ جارتي الراقص على الحائط أن يأخذ مقعدًا واطئًا نحو رصيفٍ مقفرٍ لئلا تذيبه العتمة.

فليكن ذلك آخر ما أرويه للغرباء في الأحياء الداخليّة للمدينة.

 

6

لطالما كان خوفي هو تعرّش دخان المدن المتفحّمة إلى قلبي، وألّا يجد في طريقه إلى الشجرة ظلًّا لأحد رفاقه القتلى. ولئلا تلاحقني الأصوات الناتئة لهذه الظلال سأضع عينيّ في الأرض، وعند مجيء المطر سأهرعُ بالذي في قلبي من تذكاراتٍ حامضة.

............

سأمسي كائنًا لا مرئيًا – ظلًّا جديدًا، ألاحقُ خوف أولئك العابرين القادمين من خلف الدخان.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من سِفر الخَليقة

أشياء صغيرة