13-سبتمبر-2015

خلال احياء ذكرى المجزرة في 2003 (جوزيف براك/أ.ف.ب/Getty)

بيتُ رصّت فيه كل الذكريات. صور الشهداء. دروع مناسبات، كوفية ثائر، وخارطة مطرزة.

تتوسط الفلسطينية رحاب كنعان حاجاتها وأشياءها. وإن نظرت إليها تذكرت آلامها وأفراحها في مخيم "شاتيلا". تتحدث عن جيرانها الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين، والباكستانيين أيضًا. تنبش ذاكرتها، كان المخيم "الحضن الدافئ للفقراء". كانت تلك الذكريات قد انتهت تمامًا، أو أرادت رحاب أن تنتهي، عندما وقعت واحدة من أبشع المجازر بحق الفلسطينيين في لبنان. مجزرة "صبرا وشاتيلا"، ليست حدثًا عابرًا. ليست محطة، إنما نهج.

عندما حدثت المجزرة كنت قد تركت بيت أبي، وتزوجت في مخيم شاتيلا، وما أن بدأت أتأقلم حتى حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا

كنعان الناجية من تلك المجزرة، سبق وأن كان لها نجاة أخرى، وذلك عندما ارتكبت مجزرة "تل الزعتر". بعد ست سنوات، مضت على فقدانها لأمها وأبيها وثمانية أشقاء، ثلاث إناث وخمسة ذكور، و51 فردًا من عائلتها، حتى عاشت مجزرة آخرى هي مجزرة "صبرا وشاتيلا".

تريد كنعان تجديد شهاداتها عن المجزرة في الذكرى الثالثة والثلاثين. تصر على أن لا تنسى شيئًا من أهوال اليوم الأسود. 

"قبيل يوم المجزرة ألقى بشير الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، خطاب، استشعر فلسطينيو لبنان منه أن هناك مصيبة تنتظرهم، لكن لم يتوقع أحد أن تكون المصيبة مجزرة بهذا الحجم. بدأت المجزرة بالسلاح الأبيض، ثم عندما أدرك أهالي المخيم حقيقة الوضع، وأرادوا الهرب، راح الجنود الإسرائيليون يطلقون الرصاص عليهم، ليعود من ينجو منهم لذبح على أيدي الكتائب داخل المخيم، وكان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد أحكم تطويق المخيم".

مجزرة شاتيلا

 

ذاكرة البارود

بين السكين والبارود، تفاصيل مجزرة لن ينساها التاريخ، ولن تنساها ذاكرة رحاب كنعان:

"لم يكتفوا بذبح الناس في بيوتهم، بل طلبوا من الأحياء التجمهر في منطقة بين صبرا ومخيم شاتيلا، وهناك أخذت عناصر الكتائب مع  الجنود الإسرائيليين يذبحون الناس، قتلوهم وهم مصطفون على حائط المدينة الرياضية هناك. كانوا يسألون المرأة الحامل، ماذا بك ولد أم بنت، فتجيب لا أعلم، ثم يقولون لها سنخبرك نحن ويبقرون بطنها ... كسروا زجاجات الخمر وغرسوها في الأرحام، أما الجثث فكانوا يحفرون عليها الصليب".

وتواصل كنعان الحديث محاربة دموعها:

"هرب بعض الناس إلى مستشفى غزة ومستشفى عكا، فلحقوا بهم وقتلوا المرضى والأطباء واغتصبوا الممرضات"، تصمت قليلا ثم تتابع "ارتدى بعض الفارين ملابس الأطباء ظانّين أنهم بإمكانهم النجاة، لكنهم ذبحوا جميعا، أتذكر أني سمعت أن أحد الأطباء حاول الهرب من السور وحتى الآن لم يعرف مصيره".

وتعقب "أتذكر أن عائلة مقداد اللبنانية فقدت 30 شهيدا في هذه المجزرة".

كنعان، المواطنة العادية، شعرت أن المجزرة خطط لها جيدًا، "حفروا حفرًا ضخمة لدفن المئات من الضحايا، وجهزوا الإضاءة الليلية، وذلك لتسهيل القضاء على أهالي المخيم في ثلاثة أيام بلياليها".

لا تصدق كنعان حتى اليوم أن عدد الضحايا المعلن هو العدد الحقيقي، "قالوا أن هناك خمسة آلاف شهيد، وسبعة آلاف مفقود، وبعد هذا الإحصاء، وفي أول شتاء بعد المجزرة فاضت مصارف المياه العادمة، فخرجت الكثير من الجثث.

في أول شتاء بعد المجزرة فاضت مصارف المياه العادمة، فخرجت الكثير من الجثث

"بقينا نكتشف لفترة أن هناك جثث في مناطق مثل بساتين الدابور والناعمة، وأيضًا حتى اليوم لم يعرف مصير سبع شاحنات حملت رجال ونساء أحياء".

اليوم، السادس عشر من أيلول/سبتمبر، تحل ذكرى المجزرة، لتعيش كنعان تفاصيلها المؤلمة، وتعايش تجربة فقدانها لابنتها أكثر من 22 عامًا بعد هذه المجزرة. ولتتذكر فقدانها لعائلتها ثم ابنها الشهيد في حرب لبنان الأهلية. ومع هذا تبقى مصرة على إحياء الذكرى، فبعد ساعات ستشعل في وسط ساحة الجندي المجهول بغزة الشموع، لتعلن عن إحياء الذكرى لـ"صبرا وشاتيلا".