16-أكتوبر-2018

عمل فني لـ جواد المالحي/ فلسطين

تمهيد

أكاد أقسم أنها المرة الألف التي أكتب فيها افتتاحية نص ثم أحذفها، الكلمات باتت تتفلت من معقل روحي، تؤدبني وأنا المُدرك لذلك... غفرانكِ إني تبت. ربما أكذب! حسنًا، لكن ماذا يعني لو سرقتني الثرثرة من سطور الصفحات قليلًا.

-قليلًا! يا للوقاحة، مضت شهور أيها الكذاب الأشرُّ.

- تستهويكِ عذاباتي، وتستكثرين عليّ رفيقة مرت الغداة، فجلسنا نتكلم؛ عن التفاصيل التي لا تُكتب، عن تلك التي تشع بها عينان نهمتان والصمت الذي يقول الكثير، هل استمعتِ يومًا لاهتزازاته؟ ولهفة الانتظار، أوَ تعلمين عنها شيئًا؟ أو عن ارتباك اللقاء الأول؟ عن الساعات القِصار والدقائق الأبدية، عن الإقبال والإدبار، والجنة التي لا تُسكن إلا بالناس... عن الآخر الذي يختزل الكُل فيه، عن واحد ثم عن لا أحد.

إني جلستُ بعد الغداة، أعد الحصى التي آلت إليها حجارةٌ شيَدت بها أركان سراب، قد دُكّت في لحظة افاقة. بعض العقول، العطوف منها، تتدخل في اللحظات الحرجة، فتحيك حِبال أوهام لتكون أطواق نجاة تُرمى لأصحابها الغرقى، الهاربين من قرار الموت الواحد، المُسلِمين ذواتهم لميتات متتالية. جُبناء...

- أو مُكابرين!
- بل حيارى، يُربكهم وجودهم وأشياء أخرى وتداخل المشاهد:

 

مشهد

الغرفة المُظلمة، ساكنة، لا أحد يسكنها إلا صدى الأسئلة التي تُخنَق بالتأنيب وتُجز رقابها إذا ما أطلت، يُقال إن صاحبها قد اعتراه علة ما في ايمانه، ثم أخذه البحر، أقصد لج البحر المظلم.

والخيال الذي ترجّل من صورة ما مُعلقة، رافضًا قدر صاحبه البات، لا زال يقاتل مستأنفًا حقًا ضمنه الأمل، يدافع عن بقاياه، وهو بين سؤال تَغوّل وترانيم ايمانية قديمة محفورة في داخله، لا يملك سوى هذا السلاح.

ويده "الظل" تحاول الوصول إلى ستارة تُخفي بخبث نافذة مُطلة على الياسمين.

 

مشهد

رائحة الكعك المخبوز تتوزع بدلال في زوايا البيت الذي أعلن جهوزيته لاستقبال الشتاء. الرائحة تُذكره بأمه وطفولته، كم غنّت أمه وهي تعد الكعك؟.

وفي غربته، في البلاد الباردة والبعيدة جدًا، صارت رائحة الكعك أمه.

 

مشهد

افتح الهدية هيّا:

نصف استسلام، نصف خسارة، نصف ربح، مساومة، مقاومة، اللون الأخضر يشيع في القلب، ينتشر ثم ينكمش فينزوي، تعاقبُ للألوان والأوان، نصف روح، والباقي؟.

- يُستكمل في الحياة الأخرى.

 

مشهد

- والحب أكبر من كلمة، إنه التواجد الدائم. يُقال إن التهادن مع فقده: نُضج.

- بل العجز في ثوب الرضا.

 

مشهد

-الانكسارات أمام المرآة كالانتصارات أمام الناس... كلاهما يجلجل على مرأى من أحدهم.

-والتي تحدث في الروح؟.

-تصنع أخدودًا ثم تطمره أتربة الوقت.

 

مشهد

يقول لي: "الكتابة قيامة جديدة، محاولة حثيثة للتمسك بالأمل والحياة، شيء أشبه بطوق نجاة أو هي كذلك".

ثم تصلني رسالة منه يخبرني: إنه بخير... أو هو يحاول.

 

هامش

مشاهد النص غير مرقومة عن قصد، فالكاتب مَلولٌ شَغوف بإملاءات الحدس فقط، مشاهده أشبه بومضات الذاكرة، تظهر وتختفي فجأة، في خضم صلاة أو اجتماع أو أثناء احتسائه لكوب الشاي أو مشاكسته الأبدية لعيدان المعكرونة المطبوخة، ولذلك فإن المشاهد تُقرأ على حسب ذوق القارئ ومزاجيته... فالنص طيّع بخلاف الحياة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نصائح إلى عشاقٍ مبتدئين

الرواية الثانية لما قبل النزول