09-مايو-2024
لوحة لـ سليمان منصور/ فلسطين

لوحة لـ سليمان منصور/ فلسطين

وقيلَ للفلسطينيِّين مُوتوا دفعةً واحدة. فالأرضُ لا تليقُ بكم، وهذه السَّماءُ الشَّاسعةُ كلُّها لكم. اِنزعُوا عنكم الشِّعرَ والرِّثاءَ والخطاباتِ والشِّعارات، ذروها كلَّها أسفلَ أقدامِكم، وأَقبِلوا بطُهر عُريكم، دفعةً واحدة. حرّروا البشرَ من مآسيكم، حرّروهم من عبء وجعِكم، ومن العار الّذي وصمتُم به إنسانيَّتَهم.

 

فلبّوا كلَّ ما سمعوا

وإن خافوا وإن جزعوا

وخلّوا كلّ ما ملكوا

وعن وجهِ الثَّرى ارتفعوا

 

تكاثفتْ أرواحُهم ضبابًا فوقَ الأرض، ثمَّ ارتفَعَ فصار غماما. ومن الغَمامِ تُطلُّ وجوهٌ لأطفالٍ وشبّان ونساءٍ وشيوخ. تتدلّى من أعناقِهم مفاتيحُ صدِئه.

وقيل لهم انظروا، فانفَتحتِ الأعينُ واتّسعتْ أحداقُها. كانتْ أرضُهم طللًا، تذرّيها الجرّافات، وكان الزَّيتون ينطفئ، تسحقُه المجنزرات. وحين سكنَ النّقع، وتفطّرتِ الأرضُ ويبس الزَّرع، ارتعدَ الغَمامُ واستحالتِ الأعينُ عيونا، وتهاطلَ القطرُ، فنبتتْ شقائقُ النعمانِ والسّوسنُ الأبيضُ والأقحوان.

 

وهبَّ العَالَمُ الورعُ

بذي المأساةِ قد فُجعوا

أشعبٌ كاملٌ يُمحى!

وحلّ الحزنُ والوجعُ

 

ثمّ قيلَ لهم انظروا، فكانَ العالمُ كلُّه يسحُّ الدّمع. حزنٌ شفيفٌ ونبيلٌ يغلِّفُ القلوب. يبكي العالمُ من رحلوا دفعةً واحدة وينعاهُم. أوقدوا الكثيرَ من الشُّموع، فلكأنّ الأرضَ مزرعةُ نُور.

ثمّ استكانَ العالمُ كلُّه، غسلَ الدمعُ القلوبَ، وذابَ العارُ مع الشَّمع، وشَعرَ النّاسُ بالراحة. أخيرًا زالَ الهمُّ عن قلوبِهم دفعةً واحدة، وتطهّرتْ ضمائرُهم. كانَ الدَّمعُ والحزنُ النبيلُ ثمنًا كافيًا، وانقضى الأمر.

 

سلام أيها البشرُ

دعوا الأفراح تندلع

مضى شعب بلا اسمٍ

لماذا الحزنُ والفجْعُ؟