31-يناير-2024
صورة التقطها لطيف العاني لساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد

ساحة التحرير في بغداد بعدسة لطيف العاني (الموقع الإلكتروني لمعهد دراسة العالم القديم)

ارتبطت بدايات التصوير الفوتوغرافي في العراق بالمصوّر لطيف العاني (1932 – 2021) الذي يُعد "أب التصوير العراقي"، ويصفه البعض بـ"عين العراق" للدلالة على أهميته ومكانته لا بوصفه مصوّرًا فوتوغرافيًا فقط، وإنما صاحب أرشيف بصري يغطي أكثر من 3 عقود من تاريخ العراق، سيما خلال الستينيات.

لكن هذا الأرشيف الذي حُفظ في وزارة الثقافة العراقية تعرّض للنهب والسرقة والتدمير عقب الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. مع ذلك، لا يزال هناك ما يكفي من الصور التي تقدّمه بوصفه مؤرخًا بصريًا لتحوّلات بلده العراق، خاصةً خلال فترة انتقاله نحو الحداثة بين نهاية خمسينيات القرن الفائت وحتى أواخر سبعينياته، وهي الفترة التي شهد فيها العراق حركة تنمية وازدهار فارقة.

تبدو صور لطيف العاني، في جانبٍ منها، أقرب إلى مدخل لفهم تحوّلات العراق الذي انحدر من مسار التنمية والازدهار إلى الفقر والبؤس بصورة غير متوقعة

ولكونها ذات أهمية كبيرة، تُعرض بعض هذه الصور في معرض استعادي يحمل عنوان "من خلال العدسة"، ويستضيفه معهد دراسة العالم القديم في جامعة نيويورك حتى الخامس والعشرين من شباط/فبراير القادم.

يضم المعرض مجموعة كبيرة من الصور التي يركّز معظمها على الآثار العراقية، وتستعيد في الوقت نفسه لمحاتٍ من ماضي العراق تتيح للمتفرج التقاط ما طرأ عليه من تحوّلات بين الأمس واليوم، إذ تبدو هذه الصور، في جانبٍ منها، أقرب إلى مدخل لفهم تحوّلات هذا البلد الذي انحدر من مسار التنمية والازدهار إلى الفقر والبؤس بصورة غير متوقعة، ونتيجة العديد من الأحداث والعوامل السياسية التي لا يزال بعضها قائمًا حتى اللحظة.

وتُظهر الصور التباين والاختلاف والتنوع بين العراقيين خلال القرن الفائت، سيما خلال عقد الستينيات. كما أنها توثّق معالم العراق التاريخية، مثل إيوان المدائن، الذي يقع جنوب بغداد ويُعرف أيضًا بـ"إيوان كسرى" أو "طاق كسرى"، وهو أطلال أحد قصور كسرى الأول؛ الذي التقط له عدة صور في يوم واحد عام 1964.

المصور العراقي لطيف العاني

يظهر في إحدى هذه الصور رجل ريفي يعزف على الربابة ويحيط به سائحان ويظهر من خلفهم الإيوان. وسيظهر هذه الرجل مع ربابته في صورة أخرى نراه فيها أمام سور بابل. وهناك أيضًا صور ملتقطة من الجو للعاصمة بغداد خلال الستينيات، بشوارعها الواسعة ومبانيها السكنية اللافتة، إضافةً إلى ميدان التحرير ونصب الحرية لجواد سليم، وأماكن أخرى.

لم يكتف العاني بتصوير الآثار وأحياء العاصمة فقط، بل التقط العديد من الصور التي وثّقت الحياة اليومية في المدن والريف والصحراء، بل وحتى داخل المدارس. وتبدو معظم صوره وكأنها مشاهد سينمائية صامتة، سيما أنها تقدّم صورة مختلفة للعراق مقارنةً بما هو عليه الآن لدرجة أنها تبدو غير حقيقية في كثيرٍ من الأحيان.

ولد لطيف العاني في كربلاء عام 1932، وبدأ مشواره في عالم التصوير الفوتوغرافي مطلع خمسينيات القرن الفائت مصوّرًا في وحدة التصوير التابعة لشركة نفط العراق. ومنذ ذلك الوقت وحتى أواخر السبعينيات، تنقّل بين مختلف المحافظات العراقية لتوثيق معالمها وطبيعة الحياة اليومية فيها وجوانبها الحضرية بل وحتى ما تشهده من مشاريع تنموية. توقف عن التصوير بعد حظر نظام الرئيس الأسبق صدام حسين التقاط الصور في الأماكن العامة.