11-أكتوبر-2023
معبر رفح الحدودي في وقت سابق

(Getty) معبر رفح الحدودي في وقت سابق

بين ليلة وضحاها، انتقلت الأخبار من مصر صوب غزة.

تابعنا عن كثب مستجدات انتخابات الرئاسة المصرية، وسعي الأجهزة الأمنية بكل السبل منع المرشح المحتمل أحمد الطنطاوي من استكمال أوراق ترشحه، عبر التضييق على حملته والقبض على العشرات منهم، ومنعهم من تحرير التوكيلات في مقار الشهر العقاري والاعتداء عليهم في بعض الأحيان.

وحتى لحظة كتابة هذا المقال لم تستقبل حملة الطنطاوي أكثر من ثمانية آلاف توكيل تقريبًا أغلبها من المصريين بالخارج، بينما يحتاج الطنطاوي إلى 25 ألف توكيل على الأقل ليتقدم بأوراق ترشحه، ذلك في الوقت الذي تقدم فيه مرشحون آخرون، مثل فريد زهران وعبد السند يمامة، بأوراق ترشحهم عبر استكمال النصاب القانوني من تزكية نواب البرلمان.

وفي الوقت الذي انصب فيه تركيز الصحافة والإعلام على الوضع السياسي في مصر، والانتهاكات المستمرة ضد الطنطاوي وحملته الانتخابية، استيقظ العالم صباح السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على عملية "طوفان الأقصى"، لينتقل تركيز العالم أجمع إلى فلسطين وإلى صدمة الخسائر القاسية والصادمة التي  تلقتها إسرائيل على المقاومة، التي سجلت إلى نقطة تحول مركزية واستثنائية في مستقبل القضية الفلسطينية، بل وشكل المنطقة العربية بالكامل، وأكدت على تكرار فشل الاستخبارات الإسرائيلية ومنظومتها الدفاعية والعسكرية، وكتبت سطرًا جديدًا في ندية المقاومة، رغم إمكانياتها المحدودة في ضوء حصار لا ينقطع من قبل أكثر الجيوش تطورًا وتسليحًا في المنطقة، والمدعوم من أقوى قوة عسكرية في العالم.

قصف الطيران الإسرائيلي معبر رفح بين غزة ومصر، والذي يعتبر المعبر البري الوحيد الذي يشّكل جسرًا للإمدادات الطبية والغذائية والإنسانية، أو سبيلًا لهرب المدنيين من نيران القصف، في خطوة لها دلالتها

هذه التطورات الخطيرة في المنطقة التي قد تدفع إلى حرب أوسع، ودخول أطراف إقليمية في المعادلة، ربما تمثّل مخرجًا جديدًا للنظام المصري في التوقيت الحالي، الذي يعتبر أبرز المستفيدين من هذه الحرب، لتمرير فترة الانتخابات الرئاسية بسلام، بينما أعين العالم منشغلة هناك تتابع ما يحدث في فلسطين، بعدما أعلنت إسرائيل حالة الحرب واستدعت للمرة الأولى أكثر من 300 ألف جندي من قوات الاحتياط، وتتلقى الدعم من الدول الحليفة لها، لمحاولة رد الضربة واستعادة كرامتها المهدرة بعد ما تكبدته من خسائر غير مسبوقة في تاريخ الصراع. لحظات تعيدهم نصف قرن إلى الوراء وتذكّرهم بخيالات وصدمة حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973.

بعد أسبوعين كاملين من منع أنصار الطنطاوي من تحرير التوكيلات، وقبل غلق باب الترشح ببضعة أيام، دعا أحمد الطنطاوي أنصاره إلى تحرير توكيلات شعبية غير موثّقة في الشهر العقاري عن طريق طباعة نموذج استمارة التوكيل وملء بياناتها وتسليمها إلى مقر الحملة، ولكن مع هذه الخطوة التصعيدية، لجأت الأجهزة الأمنية إلى تصعيد مقابل، وأصدرت الداخلية المصرية بيانًا بعد ساعات ينص على أن الوزارة ستتخذ كل الإجراءات القانونية بكل حسم تجاه من يخالف الضوابط القانونية الموضوعة من الهيئة الوطنية للانتخابات أو أي مخالفات تخل بالأمن العام، تبعته بيبان آخر بعدها بساعة واحدة، يشير إلى القبض على 8 أشخاص من محافظات مختلفة، أثناء قيامهم بتحرير توكيلات مزوّرة لصالح أحد المرشحين المحتملين للانتخابات الرئاسية، وعُثر بحوزتهم على 596 نسخة من التوكيلات المزوّرة، وكذلك تحديد وضبط صاحب المطبعة التي قامت بالطباعة، لتكون خطوة ترهيبية من أجل استمرار منع وردع المواطنين، وليتجاوز عدد المقبوض عليهم من حملة الطنطاوي أكثر من 100 فرد، فضلًا عن الاستدعاءات الأمنية والمختفين قسريًا لدى مقار الأمن الوطني.

في الجانب الآخر، بدأ الإسرائيليون يفيقون من الصدمة، ويقصفون قطاع غزة بشكل مكثّف، وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي فرض الحصار الشامل على القطاع، ومنع وصول الغذاء والمياه، وقطع الكهرباء والوقود، قائلًا "نحن نحارب حيوانات على هيئة بشر، ونتصرف وفقًا لذلك".

ثم تمادوا أكثر من ذلك وقصف الطيران الإسرائيلي معبر رفح بين غزة ومصر، والذي يعتبر المعبر البري الوحيد الذي يشّكل جسرًا للإمدادات الطبية والغذائية والإنسانية، أو سبيلًا لهرب المدنيين من نيران القصف، في خطوة لها دلالتها، وهي أن الاحتلال لن يترك ثغرة للهرب وسيعاقب قطاع غزة بالكامل، ويفرض حصارًا شاملًا من جميع النواحي.

يعتبر معبر رفح كارتًا رابحًا في يد النظام المصري، يفاوض من خلاله الإسرائيليين والأمريكان كلما اشتعلت الأجواء في قطاع غزة من أجل الخروج بمكاسب تصب في صالح السلطة، وفي نفس الوقت يعتبر المعبر من أولويات الأمن القومي للسيطرة على الحدود الشرقية لمصر، ما دفع القاهرة لتحذير حركة حماس من دفع المواطنين نحو الحدود، الأمر الذي يشي ربما بتجاهل مصري لضرورة فتح المعبر في تلك اللحظات إرضاءً لرغبة إسرائيلية – أمريكية، في مقابل الحصول على مكسب ما.

ما زالت القاهرة اللاعب الأبرز في ملف القضية الفلسطينية، عبر ورقة دور الوساطة بين الفصائل الفلسطينية من جهة، وبين الإسرائيليين من جهة أخرى، فالمشهد الآن كالتالي، ورقة الوساطة ومعبر رفح في يد، وانتخابات الرئاسة المصرية والمساعدات العسكرية الأمريكية في اليد الأخرى، وهذه هي الطريقة المثلى التي يخرج بها النظام المصري مستفيدًا من كل الجهات كنتيجة لهذه الحرب.

يقوم النظام المصري بدور في الوساطة، ويقدم بعض التنازلات وينصاع للرغبة الأمريكية فيما يخص إدارة معبر رفح، في مقابل تجاهل الإدارة الأمريكية للانتهاكات المستمرة في استعدادات انتخابات الرئاسة ومنع المرشحين، والقبول بمشهد هزلي مسرحي لانتخابات ديمقراطية شكلية تجدد ثقة المواطنين في الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة رئاسية جديدة تمتد لـ 2030، إلى جانب غض النظر عن سجل مصر السيئ في ملف حقوق الإنسان، والإفراج عن المساعدة العسكرية المقدّرة بـ 235 مليون دولار، حيث أعلن الرئيس الجديد للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، بن كاردين، منذ أيام، عن سعيه لحظر المساعدات العسكرية ومبيعات الأسلحة المستقبلية إذا لم تتخذ مصر خُطى ملموسة وهادفة ومستدامة لتحسين الوضع الإنساني، وذلك بعد الفضيحة المدوية الخاصة بقضية السيناتور الأمريكي بوب مينينديز، الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، والذي اضطر للاستقالة بعد اتهامه بتلقي رشى من الحكومة المصرية، مقابل دعم موقفها في مجلس الشيوخ، والإفراج عن المعونات العسكرية.