09-أكتوبر-2023
(Getty) مخيم الشاطئ في غزة بعد القصف الإسرائيلي

(Getty) مخيم الشاطئ في غزة بعد القصف الإسرائيلي

لَفتتني ذلك النقاش الذي أثيرَ في بعض مواقع التواصل الاجتماعي على هامش عملية طوفان الأقصى، واستغربتُ كثيرًا وأنا أشاهِد بعض الأشخاص المنتمين إلى دول وبيئات غربية وعربية يتباكون على مشاهد قتلى وأسرى جيش الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، موجهين انتقاداتهم للمقاتلين في كتائب المقاومة الفلسطينية، ولسان حالهم ينطق باسم إنسانية كاذبة وزائفة ومزدوجة المعايير.

ينسى هؤلاء المتباكون أنّ مقاومة الاحتلال في الحالة الفلسطينية هوَ حقّ شرعي ومكفول في كافة الأعراف والقوانين الدولية، وأنّ كتائب المقاومة الفلسطينية هي في تعريفها الأكبر والأعمّ حركة تحرّر وطني، وأنّه كان لحركات التحرّر الوطني على مدار التاريخ الحقّ في استخدام كافة الوسائل من أجل التحرّر من الاحتلال والاستعمار.

لا يلتفت هؤلاء إلى تلكَ البديهية التي ينضوي عليها الفِعل المقاوم، وتَجعل منه فِعلًا أخلاقيًا بامتياز، تلكَ البديهية التي تقول بأنّ أخلاقية الفِعل المقاوم قادمة أساسًا من صفته كفِعل مقاوم، أي من صفته كفِعل يستهدف تحرير شعب، ودحر احتلال، وتفكيك نواة مغتصِب.

رعب جنود الاحتلال ومستوطنيه من المقاتِل الفلسطيني الساعي لاسترداد حقه، في منطق عالم آخر يقوم على العدالة والإنصاف، هي مشاهد في قمة العدالة الأخلاقية 

الفكرة تكمن في أنّ سؤال أخلاقية الوسيلة –قتل وأسر جنود ومستوطنين- الذي قد يُثار في بعض المواضع والحالات مثل حالة التحرّر من الاحتلال في الحالة الفلسطينية هو سؤال لا أخلاقي، لأنّه سؤال يَطعن في أحقية شعب كامل باستخدام كافة الوسائل المتاحة أمامه في انتزاع حريته، ودحر محتليه ومستعمريه، فهو سؤال يَطعن في أحقية صاحب الحقّ في استرداد حقّه بيديه.

إنّ لا أخلاقية سؤال الأخلاقية الذي يُطرَح في حالة المقاومة الفلسطينية، هو أنّه سؤال يجيء في عالمٍ خاضع لمركزية غربية وأوروبية تُحاكَم فيه الأمور منذ الأزل بمنطق ازدواجية المعايير، فأرباب هذا العالَم ومنذ عقود عديدة يشاهِدون الفلسطينيين يُطرَدون من وطنهم، وتُسلَب أراضيهم، وتُنتَهك كرامتهم، وتُرتكب في حقّهم المجازر؛ منذ عقود عديدة وأرباب هذا العالَم يُشاهدون الفلسطينيين مطرودين، ومقهورين، ومأسورين، ومقتولين ومنتهكين فلا يهتزّ لهم رمشًا ولا يخطر على بالهم أن يَزينوا أفعال محتلّيهم بميزان الأخلاقية، ولا أن يُحاكموهم عليها.

المقاتِل الفلسطيني الذي يُقاتِل في عملية طوفان الأقصى اليوم يَعرف تمامًا أنّ أخلاقية فعله قادمة من مناطق لا يستوعبها عالَم المركزية الغربية والأوروبية الذي ينظر إليه بصفته مُجرمًا في كلّ الأحوال، وينظر إلى محتلّه ومستعمره الإسرائيلي بصفته ضحية مهما ارتكب من مجازر وانتهكَ من مقدّسات.

يعرف المقاتِل الفلسطيني أنّ أخلاقية فِعله قادمة من حقّه فيه وفي ارتياده من أجل الحرية والتحرّر، وإنّ الفلسطينيين يُشاهِدون قتلى الاحتلال وأسراهم دون أن يؤرقهم سؤال الأخلاقية، لأنّ مجرّد إثارته في حالة احتلال مجرم ومغتصب وقاتل كالاحتلال الإسرائيلي هو سؤال لا ينضوي على أي ذرة أخلاقية.

إنّ الحقّ الفلسطيني في المقاومة من أجل التحرّر هو حقّ واضح ومشروع وأخلاقي في كافة وسائله، وإنّ مشاهد رعب جنود الاحتلال ومستوطنيه من المقاتِل الفلسطيني الذي يُمارِس حقّه في نيل وانتزاع حريّته بيديه، والذي طالما قاسى هو وجميع أفراد شعبه شتى صنوف وأشكال الرعب من قبل جيش الاحتلال ومستوطنيه، هي مشاهِد يُمكن اعتبارها في منطق عالَم آخر يقوم على مبادئ العدالة والإنصاف، قمة العدالة الأخلاقية.

إنّ مشاهِد رعب جنود الاحتلال ومستوطنيه، لا يُساوي في منطق المقاتِل الفلسطيني كم الرعب الذي ذاقه طفل فلسطيني واحد في عمليات التطهير العرقي التي قامت بها العصابات الصهيونية في عام 1948 وما تلاه، فالرعب الصهيوني الذي يتبدى أمامه اليوم هو من منطلقات العدالة الأخلاقية كما يَعرفها، لا يتساوى بشسع نعل أصغر طفل فلسطيني عرَف الرعب والخوف وذاقه من ممارسات جيش الاحتلال ومستوطنيه.