يقبل اللبنانيون على عيد الفطر هذا العام، في ظلّ أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعصف بهم وبالبلاد معهم، خاصة في ظل تزايد الحديث عن احتمالية وقوع الانهيار الكامل في مقبل الأيام، في حال لم تُتّخذ إجراءات حاسمة توقِف التدهور المتواصل في سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي.
يعيش الشارع اللبناني غيابًا واضحًا لكل المظاهر المتعلقة بأنشطة وتحضيرات عيد الفطر في ظل استمرار وتصاعد أزمته الاقتصادية
من بين المصائب والأوضاع الكارثية التي جرها تدهور سعر الصرف للعملة الوطنية اللبنانية أتى تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، التي وصلت بدورها إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.
اقرأ/ي أيضًا: كيف تواجه دول المغرب العربي جائحة كوفيد 19؟
في الوقت الذي يطل رئيس مجلس الوزراء اللبناني حسان دياب على مواطنيه ومن بعدهم العالم، وهو نفسه، أي دياب الذي كان يتبجح في آخر إطلالاته الإعلامية التي تزامنت مع مرور 100 يوم على نيل حكومته الثقة، بنجاح تشكيلته الوزارية بتحقيق 97 % من بنود بيان الإعلان الوزاري، يتزامن ما نشرته صفحات جريدة واشنطن بوست الأمريكية، ليبرالية مملوكة لجيف بيزوس، في ذات اليوم مقالةً لحسان دياب نفسه، يتوّسل فيها الحصول على مساعدات عاجلة من المجتمع الدولي، ويحذّر من حصول مجاعة مع نهاية العام الحالي في حال لم يتمّ تدارك الأمور، مع تلميحات أقرب لكونها مصارحات بشأن الخزينة اللبنانية الخاوية على عروشها بالكامل.
أما بعدما ارتفعت الأصوات المطالبة بتخفيف الإجراءات المتّبعة من الحكومة، فيما يخصّ التعبئة العامة لمكافحة فيروس كورونا والوقاية منه، ومع ما رافقها من إقفال لمعظم المؤسسات التجارية، هنا تركت عشرات آلاف الأسر بدون أي مدخول أو إعالة تسد رمق احتياجاتها الأساسية. بهذا التزامن سمحت الحكومة مؤخرًا بالتساهل في بعض الإجراءات، سامحة للمحال التجارية بفتح أبوابها لمدة ثلاثة أيام أسبوعية بالتناوب فيما بينها بحسب طبيعة قطاع نشاطها، وهو الأمر الذي أعطى جرعة أمل لأصحاب هذه المؤسّسات الخاصة الذين تعطّلت أعمالهم منذ مطلع آذار/مارس الماضي.
عبر التجوّل في بيروت وبعض المدن الرئيسية في لبنان، يمكن بكل يسر ملاحظة حركة نشيطة وزحمة سير طرأت خلال الأيام الأخيرة من شهر الصيام، الأمر الذي يمكن أن يشير إلى حالة كبت عامة سبقت تخفيف إجراءات الحجر الصحي، ما دفع الناس إلى الأسواق والشوارع في أول فرصة توفرت أمامهم. لكن في زاوية أساسية من محاولة تفسير النشاط فوق المعتاد في الشارع اللبناني يمكن القول بتوق الناس للعودة مجدّدا إلى أعمالهم اليومية من أجل تأمين قوت أسرهم.
فيما شهد لبنان أثناء فترة الحجر وفي أعقاب تخفيفها أيضًا بعض التظاهرات المطلبية والاحتجاجية على الأوضاع المعيشية، التي رفع محتجون خرجوا فيها شعارات من نوع " نفضّل أن نموت بالكورونا على أن نموت من الجوع في منازلنا".
على الرغم من الحركة النشيطة في الشارع، فإن كل أصحاب المحال التجارية الذين تسنى لـ ألترا صوت استطلاع آرائهم، اشتكوا من عزوف الناس عن التبضّع والتسوّق بشكل مخيف. أسواق بيع الملبوسات التي تزدهر بشكل كبير قبيل الأعياد، شهدت ارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، حيث أن لبنان يستورد معظم هذه المواد، وبالتالي فإن الأسعار تتأثر بارتفاع قيمة صرف الدولار الذي بلغ أرقامًا قياسية في اليومين الأخيرين، حيث بلغ مستوى صرفه عتبة 4300 ليرة لبنانية في السوق السوداء مقابل دولار أمريكي واحد لاغير، أي ما يقارب 3 أضعاف قيمة السعر الرسمي المعلن من المصرف المركزي.
في سياق متصل يقول أحد أصحاب المحال التجارية للملبوسات الجاهزة "نوفوتيه" أنه يتوقع عزوف معظم زبائنه المعتادين عن شراء ثياب جديدة لأولادهم هذا العيد "بسبب تدهور الوضع المعيشي، وبسبب ارتفاع عدد إصابات الكورونا في الأيام الأخيرة"، ما يرجح أن اللبنانيين سيعيّدون هذا العام في منازلهم، ولن تكون هناك زيارات واحتفالات، ما ينفي الحاجة لابتياع الملابس والأحذية الجديدة والهدايا كما جرت العادة.
اقرأ/ي أيضًا: ما مصير العمالة الأجنبية في لبنان في ظل كارثته الاقتصادية؟
فيما لا يبدو الوضع أفضل بالنسبة لأصحاب المطاعم والمقاهي والمرافق الترفيهية الذين، وبالرغم من أن الحكومة سمحت لهم بمعاودة مزاولة العمل بشكل جزئي، إلا أن الإقبال على قطاعهم يبقى ضعيفًا جدًا، في ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المواطنون، وفي ظل انتشار فيروس كورونا، وتخوف المواطنين من ارتياد الأماكن العامة والمفتوحة، حتى وإن سمحت الحكومة لهم بذلك. يقول صاحب أحد المطاعم في ضاحية بيروت الجنوبية لألترا صوت، إن "المطاعم والمقاهي اعتادت أن تشهد حركة لافتة خلال فترة الأعياد، الأمر الذي يؤمن لها مداخيل كبيرة ".
يأتي هذا الحديث في سياق أن المؤسسات اتخذت قرارات قاسية لتأمين استمرارية عملها، من خلال حسم رواتب موظفيها، أو تسريح أعداد منهم بسبب انتفاء الحاجة لهم، ألأمر الذي ساهم في رفع نسبة البطالة أكثر وأكثر، وبالتالي ساهم في تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي لا يعوز لبنان المزيد منها.
يمكن سماع الكثير اليوم في لبنان على ألسنة أناس عاصروا الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990، أنهم لم يشهدوا قط تردّيًا في الوضع الاقتصادي كما هو الحال اليوم، وأن عملية الحصول على النقود لشراء الاحتياجات الأساسية كان أسهل خلال سنوات الحرب حتى.
أضيفت خيبة أمل اللبنانيين من الإجراءات الحكومية في مواجهة جائحة كورونا إلى جملة الخيبات الاقتصادية والحيوية التي تخيم على البلاد مثل سعر صرف الليرة وأزمة الكهرباء المتصاعدة
وفيما كان حسان دياب يعدّد إنجازات حكومته، استمر لبنان في الغرق بالظلام الدامس بسبب تقنين الكهرباء الذي جاوز حد الـ20 ساعة يوميًا، بالتزامن مع موجة الحر والحشرات التي ضربت البلاد فحوّلت حياة اللبنانيين إلى جحيم.
اقرأ/ي أيضًا: آخر تحديثات كورونا.. 5 ملايين إصابة وعيد "تحت الحظر" في دول عربية وإسلامية
كما تبقى أرقام الإصابات بفيروس كورونا المسجّلة في الأيام الأخيرة لبنانيًا لتؤكّد أن الحكومة كانت تخدع المواطنين في حديثها عن تجربتها " الرائدة " في الحدّ من انتشار الفيروس، فيما يشعر المواطنون أن تضحياتهم وبقائهم في منازلهم ذهبت هباءً وعادوا إلى نقطة الصفر.
ينتظر اليوم اللبنانيون عيد الفطر، فيما تنهال الضربات على رؤوسهم من كل حدب وصوب، ولسان حالهم يقول: عيد بأي حال عدت يا عيد! فهل من الممكن أن تشكل الحقائق والمصارحات القسرية التي وجد حسان دياب نفسه أمام استحقاقها ضمن مجمل أحاديثه التلطيفية لسوءات الواقع بوابة مرحلة جديدة لتعاطي الشارع اللبناني مع الطبقة السياسية.
اقرأ/ي أيضًا:
رمضان في زمن كورونا.. ماذا يقول الأطباء والفقهاء عن الصيام وأثره على الصحّة
"ألوان كورونا".. تقرير أمريكي يكشف العنصرية ضد السود خلال الجائحة