25-فبراير-2017

مقاتلون جزائريون في جيش الاستعمار الفرنسي (كيستون/Getty)

يتكرر مجددًا النبش في الذاكرة التاريخية في الجزائر، ويرجع معها الحديث عن صفحات سوداء يتخوف الكثيرون من الحديث عنها، حيث فتح "الخطأ"، كما وصفه الشارع الجزائري، الذي تمثل في استضافة قناة حكومة جزائرية (كنال ألجيري) الموجهة للجالية الجزائرية في فرنسا المؤلفة الجزائرية-الفرنسية فريال فوران وهي حفيدة أحد أخطر المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي الباشاغا "بوعزيز بن قانة"، فتح مجددًا ملف "الحركى" أو "الجزائريين المجندين في صفوف الجيش الفرنسي" إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962)، وهو الملف الذي بات عالقًا ومغلقًا لسنوات طويلة.

ملف "الحركى" ، أي ملف المقاتلين الجزائريين داخل جيش الاحتلال الفرنسي، سيظل مثل "الشوكة في الحلق" الوطني العام

بروز حفيدة الباشاغا بن قانة للترويج لكتاب لها يمجد أحد رموز الموالين للمستعمر الفرنسي، دفع بأصوات المؤرخين والباحثين في التاريخ الجزائري في الجزائر إلى توجيه نداءات ودعوات للسلطة السياسية في الجزائر ووزارة المجاهدين أيضًا إلى تسليط الضوء على ما أسماه أستاذ التاريخ بجامعة وهران الدكتور رابح لونيسي بـ "التاريخ الأسود للمتعاونين مع الاستعمار الفرنسي كتاريخ مجهول ومغيب من الكتب التاريخية التي ترصد الفترة الأليمة لقرن وثلاثين سنة من الاستعمار".

اقرأ/ي أيضًا: تصريحات ماكرون تفتح جراح الماضي بين فرنسا والجزائر

وبالنظر إلى حساسية ملف "الحركى" التاريخي قال لونيسي في تصريح صحفي على هامش لقاء أكاديمي حول التاريخ بالجزائر إن الأخطر في التاريخ هو "حرب الذاكرة التي دخلها الجزائريون عبر تخوين المجاهدين (محاربي الثورة التحريرية في الجزائر) لبعضهم البعض، إما بسبب خلافات سياسية نراها اليوم على الأرض أو تصفية حسابات"، مؤكدًا أن الذي يقرأ الوضع الحالي بالعودة إلى الماضي التاريخي للجزائر يدرك أن "هناك حملة تشويه تطال الرموز التاريخيين في الجزائر وبعث صراع خفي بين الجزائريين وإيقاظ الفتنة التي تضرب جذور التاريخ الجزائري والدولة اليوم".

وبالحديث عن ملف المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي قال لونيسي إنه قد آن الأوان للحديث عن بعض الحقائق التي تكشف صورة الموالين للمستعمر بدل إخفاء الغابة كلها بشجرة واحدة، فالكثيرون خدموا المستعمر مثل قضية الباشاغا بن قانة وعائلته التي عرفت بعمالتها لفرنسا في الجنوب الجزائري وهي من وقفت حائلًا ضد مقاومة " أحمد باي " في قسنطينة، ما أدى بسقوط عاصمة الشرق الجزائري في سنة 1837 في يد الفرنسيين.

في سياق ذي صلة دعا الباحثون في تاريخ الجزائر إلى عدم التعامل مع التاريخ الجزائري بانتقائية تطال فترات تاريخية على حساب أخرى، حيث أشار الأستاذ في التاريخ الجزائري نورالدين صاري من جامعة عنابة إلى ضرورة تسليط الضوء على ما أسماه "بزلات" و"فظاعة" ممارسات البعض ممن حاربوا الثوار واصطفوا وراء الجيش الفرنسي، مؤكدًا لـ"ألترا صوت" أنه حان وقت الحديث عن البطولات والحديث عن الجرائم في حق الجزائريين، فملف "الحركي" يبقى برأيه "عقبة في الكشف عن الصفحات السوداء في التاريخ الجزائري".

اقرأ/ي أيضًا: ملف الحركي في الجزائر..المسكوت عنه

واعتبر المتحدث أن عدم فتح المجال للحديث عن تلك الصفحات "رغم فظاعتها، سيسمح للكثيرين بالتطاول على رموز الجزائر التاريخيين والتسوية بين من حارب الاستعمار ومن كان في صفه".

استفزاز الجزائريين من مرور حفيدة أبرز المتعاونين مع الاستعمار عبر تلفزتهم الوطنية يشير إلى جروح ماض بعيدة عن الالتئام

إعلاميًا وسياسيًا، وفي قراءة أخرى للقضية، اعتبر الأستاذ في العلاقات السياسية والعلاقات الدولية عادل بختي أن مرور المؤلفة فريال فيرون في التلفزيون الحكومي "سقطة" لا تغتفر باعتبار عائلة بن قانة مارسوا مظالم كثيرة ضد الجزائريين الفقراء في فترة الاستعمار، وأسسوا جمعية أصدقاء فرنسا، وقاموا بتغريم الجزائريين بضرائب ثقيلة، متسائلًا كيف لم يتفطن الكثيرون لهذه الحقائق الموجودة، في كتب التاريخ وغيرهم من الأسماء التي ظلت "خائنة" للجزائر، مشددًا على أنه "حان الوقت لأن يترك التاريخ لأصحابه من الباحثين والمختصين فخونة الجزائر كثيرون"، ومن الأجدر برأيه أن يفتح النقاش عن الخونة الحقيقيين بدل أن نخون بعض الثوار الذين بفضلهم استقلت الجزائر.

اللافت، أن ملف "الحركى" سيظل برأي المؤرخين مثل "الشوكة في الحلق"، لأنه يرهن دومًا العلاقات الجزائرية الفرنسية تاريخيًا وسياسيًا، لما يبعثه من جدل صارخ في كل مرة، ويخلق معه الاتهامات والاتهامات المضادة، فالخوف من الماضي والذاكرة سيولد عدم التصالح مع الذات وهو ما يحتاج الجسم الجزائري إلى مواجهته رغم قساوة بعض الحقائق.

اقرأ/ي أيضًا:

مجزرة السين.. أرواح برسم النسيان

تجارب فرنسا النووية.. جرح الجزائر الغائر