15-فبراير-2016

لم يندمل جرح ضحايا التجارب النووية وملفات المفقودين في الجزائر(فايز نورالدين/أ.ف.ب)

"يولد أولادي الواحد تلو الآخر بتشوهات خلقية، حاولت فهم السبب من الأطباء واكتشفت أنه قدر محتوم على سكان منطقتنا الموبوءة بكبسة زر في تفجيرات نووية قبل أزيد من نصف قرن"، هكذا عبّر مسعود زنار، 61 سنة، عن حالة أولاده الأربعة، التقاه "الترا صوت" على هامش ندوة تاريخية بجامعة بوزريعة، غرب العاصمة الجزائرية.

قدرت جمعية 13 فبراير 1960 بمنطقة "رقان" ضحايا التجارب النووية الفرنسية في التراب الجزائري بـ40 ألف حالة

مؤلم أن يبحث مسعود والعشرات من أمثاله عن إجابات لأسئلة تقنية، بقيت لحد اللحظة استفهامات معلقة بصفحة التاريخ الأليم بين الجزائر وفرنسا، عنوانها "معضلة التجارب النووية"، التي أجرتها فرنسا منذ شباط/فبراير 1960 وإلى غاية 1966 (قبل الاستقلال وبعده) في مناطق "رقان" و"حمودية" و"عين اينكر" بمحافظة أدرار، 1740 كيلومتر جنوبي العاصمة الجزائرية، والتي لا تزال تحصد الأرواح وتصيب الجزائريين في الجنوب بأمراض خطيرة أهمها انخفاض الخصوبة وتباعد الولادات وحالات الإجهاض وضعف الجهاز المناعي والتشوهات الخلقية ومرض السرطان، وقد قدرتها جمعية 13 فبراير 1960 بمنطقة "رقان" بمحافظة "أدرار" بـ40 ألف حالة.

40 ألف ضحية والقائمة مفتوحة

تعود الذكرى المؤلمة إلى أذهان آلاف ضحايا الإشعاعات النووية من الجزائريين، حيث قامت فرنسا رسميًا بسبعة عشر تفجيرًا نوويًا جويًا وتحت الأرض بين 13 فبراير 1960 و16 فبراير 1966، فيما اعترفت السلطات الفرنسية قبل سنوات فقط، بأنها أجرت أربعين تفجيرًا مصغرًا أسمتها "بولان" وهي قنابل تحتوي على البلوتونيوم، الأخطر من اليورانيوم، لتجربة أنظمة تفجير القنابل في الصحراء الجزائرية.

"الزمن بإمكانه أن يداوي الجراح"، لكن جرح ضحايا التجارب النووية وملفات المفقودين لم يندمل بعد. تحركت الآلة السياسية في الجزائر وفرنسا من أجل طي صفحات الماضي الأليم، التي تشوش على العلاقات الثنائية بين البلدين. وهي تعود من جديد إلى الواجهة، تقول المهتمة بملف التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، المحامية فاطمة الزهراء بن براهم لـ"الترا صوت": إنه "رغم مرور ست سنوات كاملة على مصادقة فرنسا على النص التنظيمي بخصوص "قانون مورين" المؤرخ في 5 يناير 2010، والذي يدعو إلى اعتراف فرنسا وتعويضها لضحايا التجارب النووية بمستعمراتها السابقة، لم يندمل الجرح الجزائري".

وذكرت بن براهم أن "زيارة وزير المجاهدين الجزائريين (قدماء المحاربين في الثورة التحررية) الطيب زيتوني إلى فرنسا، في نهاية كانون الثاني/يناير الماضي، تناولت سبل إيجاد تسوية ثنائية لملف تعويض ضحايا التجارب النووية في الجزائر". وهو الملف، الذي يسبق على حد تعبيرها، "مرحلة اعتذار فرنسا على جرائمها المقترفة في حق الجزائريين طيلة مائة وثلاثين سنة من الاستعمار". وفي هذا الشأن أشارت المحامية بن براهم إلى "مرور ست سنوات على إقرار فرنسا تقديمها تعويضًا لضحايا مستعمراتها القديمة إلا أنه لم يتم تعويض أي متضرر إلى حد الآن في الجزائر".

في انتظار الاعتذار والتعويض.. معاناة مستمرة

لم يندمل جرح ضحايا التجارب النووية وملفات المفقودين في الجزائر وهي لا تزال تشوّش على العلاقات الثنائية الجزائرية الفرنسية

تقليب صفحة الماضي بين الجزائر وفرنسا ممكن في نظر المتتبعين للشأن التاريخي الجزائري وإنهاء الماضي الأسود وما اقترفته فرنسا الاستعمارية في الجزائر، وذلك مرتبط بحل ملف الاعتذار والاعتراف بالجرائم المرتكبة وتعويض الضحايا، حيث أكد الباحث في التاريخ بجامعة ورقلة جنوب الجزائر، الأستاذ عبد الواحد زغيمي لـ"الترا صوت": أن "غلق صفحة الماضي يحتاج إلى علاج مستمر لما اقترفته الآلة الفرنسية في حق الشعب الجزائري، كما أن عديد المناطق في الحدود الجزائرية التونسية والجزائرية المغربية تعاني من مخلفات الاستعمار الفرنسي". ولا تزال الألغام تنفجر بين الحين والآخر في هذه المناطق مخلفة قتلى وجرحى وتحدث التجارب النووية في الجنوب الجزائري إلى الآن إصابات بالأمراض الخطيرة وخاصة السرطان والتشوهات الخلقية. 

"لا يعالج التاريخ الأليم بتصريحات أو قرارات"، يقول المحلل السياسي الجزائري مقران آيت قاسي لـ"الترا صوت". ويضيف: "تماطل فرنسا في تقديم الاعتذار وإيجاد مخرج نهائي لملف التعويضات عن جرائمها المقترفة في الجزائر علاوة على أن رفضها الاعتراف بمسؤوليتها يتسبب في تأخير سير عجلة العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين وفي رفع درجات التوتر السياسي بينهما، بالرغم من النشاط الوزاري والدبلوماسي الكثيف عبر تبادل الزيارات واللقاءات بين مسؤولي الجانبين".

اقرأ/ي أيضًا: 

تعطيلات إدارية وعلمية تعيق أحلام طلبة الجزائر

ذوو الاحتياجات الخاصة.. الأكثر اضطهادًا في الجزائر