16-مارس-2016

يبقى المسرح آخر الفنون التي تنظر إليها الدول العربية بإمعان (Getty)

يعيش المسرح في موريتانيا بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي (1964) وتأسيس الدولة الوطنية على يد المختار ولد داده حالة من النمو البطيء، يصعب القول فيها إن المسرح الموريتاني حاضر وقائم بذاته، خاصة أن الأمر متعلق بالذهنية المجتمعية أكثر مما هو متعلق بتحولات سياسية.

يعيش المسرح في موريتانيا حالة من النمو البطيء 

ورغم الطقوس الاحتفالية والفرجوية التي كانت تحيل إلى المحاكاة والمسرحة في المواسم والمناسبات الاجتماعية بالمجتمع الموريتاني، إلّا أن كلمة "ثياترو" (المسرح) ارتبطت بمخيلة الموريتانيين على أنها عمل سيئ الصيت والسمعة يقوم به بهلوان يضحك الناس ويخلو من الجدية، يقول المخرج المسرحي إبراهيم ولد سمير لـ"الترا صوت": "لذلك افتقر المجتمع الموريتاني للتربية المسرحية، والثقافة المسرحية، إضافة إلى أنه ليس مهنة"، حينها قام الأهالي بليّ أعناق أبنائهم عن المدعوّ "ثياترو" خوفًا من العيب أن يتحولوا إلى بهلوانيين وظلّ المسرح مقزمًا في بيئة وفيّة لثقافتها الشفهية القبلية وللشعر حتى أصبحت موريتانيا "بلد المليون شاعر"، فضلًا عن عدم وجود مسرح يعارض الأحكام الاستثنائية أو العسكرية قبل الانفتاح الديمقراطي.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.. مبادرة لدعم مكتبات المعاهد والمدارس

وبنشوء الدولة الوطنية باستقلال موريتانيا (1964) التي زاوجت بين النظام العشائري القديم ومؤسسات الدولة المنتخبة، ساعد نشوء المدن على بزوغ أول محاولات لتأسيس المسرح من خلال فرقة "الكيوطية" لمؤسسها همام فال، يقول المخرج المسرحي إبراهيم ولد سمير في هذا السياق: "بعد "الكيوطية" تأسس اتحاد المسرحيين الهواة على يد محمد أمين العدائي، ثم شهدنا تأسيس فرق مسرحية أخرى بداية التسعينيات عندما ذهب مجموعة من الشباب لدراسة المسرح في تونس". متابعًا: "ونتيجة الانفتاح الثقافي والتطور الإعلامي والتكنولوجي بداية التسعينيات وعندما عاد الأكاديميون للبلاد بدأ المسرح يأخذ مكانه الصحيح كفنّ. ورغم أن جُلُ المشتغلين في المسرح هواة، بمعنى أنهم لا يتقاضون أجرًا، حتى أن الجمهور لم يكن يدفع سعر التذكرة، فكان المشتغلون يقاتلون على جبهتين، جبهة إقناع الجمهور بتقبل الفن المسرحي ومسح تلك الصورة والسمعة، وجبهة إيجاد أرضية وبنى تحتية للعمل المسرحي".

ظلّ المسرح "ابن المدينة المركزية"، ولم يخرج من دائرة نواكشوط العاصمة

يأخذ المسرح الموريتاني مكانته الصحيحة حاليا كما أشار ولد سمير، تُبنى له المؤسسات الأكاديمية مثل "معهد لتعليم المسرح، وموظفوه سيتبعون إداريًا لوزارة الثقافة"، في وقت تنعدم فيه دور العروض بعد أن تحولت القاعات، وهنّ اثنتان، إلى "معهد لتكوين الشباب والرياضة والأخرى لمعهد الفنون الجميلة" كما أشار ولد سمير، إضافة إلى تنظيم مهرجان "المسرح المدرسي" بالتعاون مع جمعية المسرحيين الموريتانيين والهيئة العربية للمسرح، ووزارة "التهذيب" (التربية والتعليم)، ووزارة الثقافة والشؤون الاجتماعية والطفولة، يقول المخرج المسرحي: "نشهد نتائج إيجابية لأنه مسرح يخاطب المراهقين والأطفال، ونجد تقبّلًا من الجمهور، فضلًا عن تخرج العديد من الفرق المسرحية من ورشات المهرجان المدرسي، منهم أعضاء فرقة "شروق" التي أسسها ولد سمير.

اقرأ/ي أيضًا: موريتانيا.."اقرأ معي" مبادرة لنثر المعرفة

وظلّ المسرح "ابن المدينة المركزية" كما أوضح المخرج الموريتاني، ولم يخرج من دائرة نواكشوط العاصمة وغيرها من المدن إلى الهوامش. ويظلّ مسرح بلد "المليون شاعر" حاملًا لقضاياه الوطنية والعربية والمجتمع كحال المسرح العربي عمومًا، يعلق ولد سمير: "عادة ما نتناول القضايا اليومية والمجتمعية المتعلقة بالفقر والأمية والسياسية، ونتشارك بها مع مسارح البلاد العربية الأخرى، ومطلع بذات الوقت ومنفتح على المسرح الغربي، يستفيد من تجاربه باستقدام بعض العروض لنشاهدها فوق الخشبات الموريتانية". ويبقى "أبو الفنون" آخر الفنون التي تنظر إليها الدول العربية بإمعان ماديًا ومؤسساتيًا وغيرها من وسائل الدعم، إذ يفتقد المسرح الموريتاني للدعم المادي ليطور على الأقل بنيته التحتية من ركح وديكور وموارد بشرية متخصصة بالمسرح. 

اقرأ/ي أيضًا:

دراما الشفافية والنزاهة بنسختها الموريتانية

موريتانيا..المدارس العمومية للبيع والتعليم للريح