18-أغسطس-2019

احتفال شعبي في مصر (فيسبوك)

عادة ما يمثل نوم الأطفال مشكلة عند الأبوين، تحتاج الأم للراحة بعد يوم طويل ومرهق في خدمة طفلها، وكذلك يكون الأب محتاجًا للراحة بعد العودة من العمل، وحينما تنفذ جميع الحيل يأتي دور الأغاني الشعبية التراثية التي دائمًا ما تكون حلًا ناجعًا يدفع الأطفال إلى النوم.

في مصر، السبوع هو أول مناسبة تقام للطفل، بعد 7 أيام من مولده

للحكاية في مصر أبعاد أخرى، فأغاني الأطفال لا تستخدم للنوم فقط، بل وللتسلية ولـ"السبوع"، للبنات أغانيهن الخاصة وكذلك للأولاد، بعض هذه الأغاني معروف أصلها، وبعضها الآخر تناقلته الألسنة دون أن تعرف أصله، في كل الحالات تمثل هذه الأغاني نوعًا متفردًا من الحنين والسعادة.

اقرأ/ي أيضًا: محفوظات عبدالله حافظ للتراث الشعبي المصري.. هوس الاقتناء ومؤانسة الوحدة

السبوع هو أول مناسبة تقام للطفل، بعد 7 أيام من مولده تجتمع الخالات والعمات والجدات لإقامة هذا الاحتفال التراثي في أجواء مفرحة، يوضع الطفل في "غربال" يهتز يمينًا ويسارًا، قديمًا كانت الأم تخطو فوق مولودها ظنًا أن ذلك سيحميه أو سيجعله سعيدًا، يُدق الهون إلى جوار أذن المولود، وإن كانت بنتًا خرموا أذنها ووضعها مكان الجرح خيطًا ليساعد على التئامه في سلام، ثم تغنى الأغنية الشهيرة:

حلقاتك برجالاتك

حلقة دهب في وداناتك

يا رب يا ربنا

تكبر وتبقى قدنا

حلقاتك برجالاتك

يوم ورا يوم تكبر شنباتك

تتجوز على قد حالاتك

حلقاتك برجالاتك

تشير بعض كتب التاريخ إلى أن "حلقاتك" كلمة مصرية قديمة أصلها "هلكا"، حرّفت إلى القبطية فأصبحت "حلق"، ومعناها في العربية القرط، وهي الحلقة المستديرة التي توضع في الأذن، أما برجلاتك فهي مكونة من "برج" بمعنى "افرد"، و"لات" بمعنى "ساق"، لأن قدماء المصريين كانوا يتفاءلون بالمولود ويتمنون له الكبر فيقولون "افرد رجلك".

الجدات يحفظن أغاني الأطفال التراثية عن ظهر قلب، يعلمنها للأمهات لكن غناء الجدات يكون أكثر دفئًا وكأنهن يغنين بالقلب همسًا وليس باللسان قولًا، أشهر أغنية تغنيها الجدات - والأمهات كذلك- ليساعدن الأطفال على النوم هي "يا رب ينام.. وادبحله جوزين حمام"، والتي تقول كلماتها:

يا رب ينام يا رب ينام

وأدبحله جوزين حمام

ياكل ويقول كمان

ما تخافشي يا حمام

باضحك عليه لمَّا ينام

"واحد اتنين.. سرجي مرجي" من الأغنيات الشهيرة التي لن تجد طفلًا لم يستمع إليها ذات يوم، وهي أغنية طويلة، يبدأ غناءها للأطفال بعدما يكبروا بعض الشيء، تكبر الأغاني معهم فتطول وتصبح أكثر حركة ولحنًا.

السَّرجي هو السركي، وهي مهنة أدخلها الشراكسة إلى مصر ليتمكنوا من تسجيل بيانات العاملين في المروج "البساتين"، فكان العمال يقفون في طابور طويل أمام الإقطاعي الشركسي الذي يقول للخولي: واحد اتنين، فيرد عليه الخولي: سَرجي، أي تم تسجيلهما في السركي، فيشير له برأسه بالموافقة، فيقول الخولي للعمال على نفس الوزن: مَرجي، أي ادخلوا إلى المزرعة للعمل.

"واحد اتنين.. سرجي مرجي" من الأغنيات الشهيرة التي لن تجد طفلًا لم يستمع إليها ذات يوم

اقرأ/ي أيضًا: الفولكلور القبطي.. اضطهاد الكنيسة وتجاهل الباحثين

استخدم المصريون كلمات هذه الأغنية للسخرية من الطوابير الطويلة التي يقفون فيها لتسجيل بياناتهم، وكذلك استخدمها المسيحيون في طوابيرهم بالكنائس للحصول على المساعدات من دواء وغذاء، فأشارت كلمة سرجي عندهم إلى القديس سرجيوس ومرجي إلى القديس مارجرجس، وأضاف لها المسلمون مقطع "نفسي أزورك يا نبي"، وكأنها أغنية تروي قصة وطن بين كلماتها الطويلة والجميلة:

واحد اتنين سَرجي مَرجي، إنتا حكيم ولَّا تُمَرجي

أنا حكيم الصحيَّة، العيَّان أدِّيله حقنة، والمسكين أدِّيله لُقمة

بدِّي أزورك يا نبي، ياللي بلادك بعيدة

فيها أحمد وحَميدة، حَميدة جابت ولد، سمته عبد الصمد

مشِّته ع المشَّاية، خطفت راسه الحدَّاية

حد يا حد يا بوز القِرد، إنتا ولد ولا بنت؟

أنا ولد ولابس طربوش

 

تذهب الأيام التي تغني فيها الأمهات والجدات بسرعة البرق، نكبر ولكنها تترك في نفوسنا أثرًا لا يمحوه الزمان، كلما نتذكرها نشعر بالحنين للطفولة، وبالامتنان للحنان والعطف الذي منحوه لنا، دون أي مقابل.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

في رثاء حسين الحسن

فنّ أهلّيل.. غرام التصوّف والرّوحانيات الجزائري