14-نوفمبر-2023
يُعد تدمير اقتصاد قطاع غزة جزءًا أساسيًا من سياسة الاحتلال تجاه القطاع

يسعى الاحتلال الإسرائيلي إلى تدمير قدرة أهالي قطاع غزة على البقاء فيه (الترا صوت)

مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتصعيد جيش الاحتلال من تدميره للبنية التحتية للقطاع، وغياب أي أفق زمني واضح لانتهاء الحرب؛ أصبح الحديث عن التداعيات الكارثية للعدوان على اقتصاد غزة، المتوقف بشكل كامل منذ 39 يومًا وإلى أجل غير معروف، مُلحًّا لارتباطه الشديد بالأوضاع الاجتماعية والإنسانية والمعيشية لسكان القطاع، الذين يواجهون واحدة من أبشع حروب الإبادة الجماعية في التاريخ الحديث.

وليس تدمير اقتصاد القطاع إلا جزءًا أساسيًا من سياسة الاحتلال تجاه قطاع غزة، القائمة على تدمير قدرة سكانه على البقاء لدفعهم إلى الهجرة، وهذه هي غايته من قصفه الهمجي الوحشي الذي خلّف 11.320 شهيدًا و29.200 مُصاب، ودمّر أكثر من نصف المباني السكنية في القطاع المحاصر.

يُعد تدمير اقتصاد قطاع غزة جزءًا أساسيًا من سياسة الاحتلال تجاه القطاع القائمة على تدمير قدرة سكانه على البقاء فيه

ولا حاجة للتذكير هنا بأن اقتصاد قطاع غزة يقف، منذ عام 2006، على حافة الانهيار نتيجة الحصار المستمر منذ 17 عامًا، والحروب والعمليات العسكرية التي نفّذها الاحتلال خلال هذه السنوات. وفيما يلي وقفة مع بعض الأرقام التي توضح أحوال اقتصاد القطاع وتداعيات العدوان الحالي عليه بالإضافة إلى مستقبله الذي يبدو مأساويًا قاتمًا إلى حد كبير.

16.5 مليار في 15 سنة

تكبّد قطاع غزة خلال السنوات الـ15 الماضية خسائر اقتصادية، مباشرة وغير مباشرة، هائلة قُدّرت بـ15.6 مليار دولار أمريكي بسبب الحصار والحروب التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع بين 2008 – 2021. فقد بلغت تكلفة عدوان 2008 – 2009 الذي استمر 21 يومًا، 1.9 مليار دولار. مقابل 370 مليون دولار خلال عدوان عام 2012، الذي استمر 8 أيام.

وبلغت خسائر القطاع بسبب عدوان عام 2014 (50 يومًا) 460 مليون دولار، فيما قُدّرت خسائره جراء عدوان 2021 (11 يومًا) بحوالي 500 مليون دولار أمريكي.

وفي العودة إلى حجم الدمار الذي خلّفته الحروب السابقة ومقارنتها بما خلّفه العدوان الحالي، يتضح أن حجم الخسائر الاقتصادية، المباشرة وغير المباشرة، سيكون صادمًا يفوق أسوأ التوقعات بل وأكثرها تشاؤمًا. فالأمر لا يتعلق هنا بحجم الخسائر فقط، بل بإمكانية تعويضها والقدرة على التعافي وإعادة تدوير عجلة الاقتصاد بعد توقفها لفترة لا تزال مجهولة حتى الآن.

في تقييم حالة نشره المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الثلاثاء الفائت بعنوان "كيف نقرأ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للحرب على قطاع غزة؟"، يقول رجا الخالدي، مدير عام معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، إن عودة اقتصاد القطاع إلى مستوى إنتاج ما قبل الحرب: "مهمة قد تستغرق سنة أو سنوات". كما ستكون هناك: "حاجة إلى مدة 3 – 6 أشهر لإغاثة 2.2 مليون غزي وإعالتهم حتى يكون من الممكن العودة إلى العمل المنتج".

تدمير النسيج الحضري.. تضرر 50 بالمئة من مباني قطاع غزة

ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، أكثر من 30 ألف طن من المتفجرات، أي ما يعادل قنبلتين نوويتين من تلك التي ألقاها الجيش الأمريكي على مدينة هيروشيما اليابانية نهاية الحرب العالمية الثانية.

أدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير أكثر من 50 بالمئة من المباني السكنية في غزة، حيث تضررت 223 ألف وحدة سكنية بشكل جزئي، مقابل 42 ألف وحدة مدمّرة بالكامل أو لم تعد صالحة للسكن. ما يعني أن جزءًا كبيرًا من النازحين البالغ عددهم أكثر من 1.5 مليون نازح، لن يكون لديهم مأوى لفترة طويلة بعد انتهاء العدوان، لا سيّما في ظل عدم وجود رؤية واضحة لـ"مستقبل غزة" ما بعد الحرب، خاصةً الجانب المتعلق بعملية إعادة الإعمار.

وبالنظر إلى حجم الدمار الهائل في البنية السكنية، والبنية الاقتصادية التي تشمل المصانع والمنشآت التجارية إضافةً إلى المرافق الخدمية والتعليمية والصحية وغيرها، يتبيّن أن تكلفة إعادة الإعمار ستكون مرتفعة للغاية، كما أنها ستكون خطوة أولى في طريق تعافي اقتصاد غزة، ذلك أن الأمر ليس عملية إعادة إعمار عادية، وإنما إعادة تأهيل ليكون القطاع صالحًا للعيش. وحتى انتهاء هذه العملية، سيبقى الاقتصاد مشلولًا بشكل أو بآخر.

وفي سياق متصل، قال برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (الموئل)، إن النسيج الحضري في قطاع غزة أصبح: "غير صالح للسكن إلى حد كبير، مع عدم وجود احتمالات فورية لعودة النازحين".

سكان شمال غزة ينزحون إلى جنوبها
سكان شمال غزة ينزحون إلى جنوبها (Getty)

وأضاف البرنامج في بيان، الأحد الفائت، أن عملية التعافي وإعادة الأعمار في غزة تطرح: "العديد من التحديات حيث إن الأنظمة الحضرية مثقلة بالفعل بتراكم الأضرار الجسيمة الناجمة عن الصراعات السابقة". مؤكدةً أن العملية سوف تستغرق: "سنوات عديدة وتتطلب استثمارات ضخمة في المساكن والبنية التحتية الحضرية".

وفي ظل انحياز الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لـ"إسرائيل"، فإن أي دعم مالي من قِبلهما سيكون مرتبطًا بشروط ما، بل إن العملية بمجملها قد تكون رهن مساومات معينة، وربما أداة للضغط على أهالي غزة وابتزازهم.

الأعلى عالميًا.. 100 بالمئة من سكان غزة عاطلون عن العمل

تُعد نسبة البطالة في قطاع غزة الأعلى عالميًا، إذ بلغت 46.4 بالمئة خلال السنوات العشرة الأخيرة، لكنها ارتفعت إلى 100 بالمئة بسبب العدوان المتواصل على القطاع المحاصر منذ عام 2006.

ومع أن العدوان تسبب في ارتفاع نسبة البطالة إلى هذا الحد، لكن ذلك لا يعني أنها ستعود إلى ما كانت عليه بعد انتهائه لأسباب عديدة، أهمها عدم وجود بنية تحتية بعد تدمير الاحتلال أكثر من نصف الوحدات السكنية في القطاع، ووجود ما يزيد عن مليون ونصف نازح دون مأوى وبحاجة إلى إغاثة طارئة، وتضرر عدد كبير من الشركات والمؤسسات على اختلاف تخصصاتها، وغياب أي تصورات واضحة حول "مستقبل غزة" بعد انتهاء الحرب تُساعد في معرفة ما إذا كان استئناف النشاط الاقتصادي، المصاب بشلل تام، ممكنًا.  

في هذا السياق، قدّرت "منظمة العمل الدولية"، الأسبوع الفائت، فقدان ما لا يقل عن 61 بالمئة من فرص العمل في قطاع غزة، أي ما يعادل 182 ألف وظيفة، مع توقعات بارتفاع هذا الرقم في ظل استمرار الحرب والأزمة الإنسانية اللتين سيكون لهما تأثيرات خطيرة: "على سوق العمل وآفاق التوظيف وسبل العيش في القطاع"، بحسب المنظمة.

ولا ننسى احتمالية رفض الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية تحمّل تكاليف الحرب أو المساهمة فيها بسبب انحيازها الكامل لدولة الاحتلال.

2.2 مليون يعانون انعدام الأمن الغذائي

أعلنت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، الثلاثاء، أن جميع سكان قطاع غزة، أي حوالي 2.2 مليون شخص، يعانون "انعدام الأمن الغذائي". ومع استمرار العدوان، مقابل قلة المساعدات التي تدخل إلى القطاع عبر معبر رفح، قد تتفاقم هذه الأزمة بصورة مخيف خلال الأيام القادمة.

تُعد نسبة البطالة في غزة الأعلى عالميًا، إذ بلغت 46.4 بالمئة خلال السنوات العشرة الأخيرة

وفي حال انتهاء العدوان، فإن عملية إعادة اقتصاد قطاع غزة إلى ما كان عليه قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، على الأقل، ستكون مرتبطة بمدى قدرة المجتمع الدولي على التعامل مع التداعيات الإنسانية الكارثية للعدوان، ما يعني أن إعادة تحريك عجلة الاقتصاد لن يكون ممكنًا: "إلا بعد تلبية الاحتياجات الإنسانية غير المحسوبة لإطعام وإيواء ورعاية أكثر من مليوني فلسطيني ونازح وجريح ومصدوم في قطاع غزة"، كما يرى الباحث رجا الخالدي في ورقته المذكورة سابقًا.

وفي الورقة نفسها، يشير الخالدي إلى تحدٍ كبير سيواجه عمليتي إعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد ما بعد انتهاء الحرب. ويتمثّل هذا التحدي في الانحياز الأمريكي – الأوروبي إلى "إسرائيل". فعلى عكس الحروب السابقة التي ساهمت فيها الولايات المتحدة والدول الأوروبية بتحمّل التكاليف المادية إلى جانب إعادة الإعمار، يبدو دورهم في هذه العملية خلال المرحلة المقبلة مرتبط: "بأهداف سياسية مشتركة مع إسرائيل فيما يتعلق بمستقبل الحكم فيه".

ويضيف الباحث الفلسطيني: "بناءً عليه، يبقى دور هؤلاء الأمريكيين والأوروبيين مشكوكًا في نياته واشتراطاته المحتملة".