22-أكتوبر-2015

رياض نواف الراضي، لاجئ سوري في الأردن، يكتب باستعمال المنشار (Getty)

من يتتبعُ المؤسسات المعنية بدعم الكتاب في الأردن من باب الإحصاء، يجد أن ثمة مؤسسة رسمية وغير رسمية تخصص من ميزانيتها لدعم الكاتب لنشر مؤلفه بتغطية كامل التكلفة أو بدعم جزئيّ يغطي 50% منها، بشروط ومواصفات فنية تفرضها على الكِتاب وفي الأغلب تجيء كالتالي: "غلاف من لونين، ورق أبيض عادي"، وفي الحالتين لا يملك إلا أن يقول لهذه المؤسسات، وبغض النظر عن كل شيء، شكرًا. هذا من باب من يريد الإحصاء، لكن ما يواجهه الكاتب الذي يسعى لتحصيل الدعم لنشر كتابه فالأمر مختلف تمامًا.

في الأردن، يقدم مخطوط الشعر العمودي ليقيّم من قبل شاعر حداثي فيرفضه بغض النظر عن قيمته الأدبية، والعكس صحيح

من بين هذه المؤسسات الرسمية التي يختارها المؤلف، هروبًا من ارتفاع تكلفة النشر "وزارة الثقافة الأردنية"، وهناك يقوم المؤلف بتعبئة الاستمارة وإرفاقها بمخطوط كتابه وتقديمها إلى الموظفة التي تعده بالاتصال به خلال "الثلاثة أشهر"! القادمة لتخبره بموافقة أو رفض اللجنة التي ستقرأ عمله. طبعًا يسبق ذلك ذهابه إلى المكتبة الوطنية للحصول على رقم إيداع وهناك ستسأله الموظفة هل يتطرق كتابك للـملك من بعيد أو قريب؟ وبدوره سيجيبها بالنفي وتمنحه في غضون ثلاث دقائق ما جاء لأجله.

تمرّ الشهور الطويلة، حتى يخبروه بأسف شديد عن رفضت اللجنة التوصية بنشر كتابه ويقدمون له تقريرها دون الإفصاح عن اسم القارئ، وبغض النظر عن الأخطاء الاملائية واللغوية في صياغة التقرير، يذهله أن كتابه لم يرفض لأسباب فنية ابداعية، بالعكس أحيانًا يشيدون به من هذه الناحية، بل رفضوه مرغمين لاحتوائه على مفردات جريئة تمس معتقد وأخلاق وقيم المجتمع استفزتهم وبالتالي ستستفز مشاعر القارئ، وبالطبع سيشك في كل ما سوف يصدر عن هذه الجهة من روايات ومجاميع شعرية كتبت بالضرورة على مقاسات هذه اللجنة "الداعشية"، فشرطها تعدى نوعية الورق والغلاف لتصل إلى نوعية الأفكار ولغة التعبير عنها.

وبعد التحري حول ماهيّة اللجنة التي تقيّم المخطوطات، ومحاولة فهم آلية عملها وعلاقتها بالمؤسسة تبين عدم وجود لجنة (بمعنى الفريق) بل هم أفراد ليسوا موظفين في وزارة الثقافة، بل تمنحهم الوزارة المخطوط مع التحفظ على اسم مؤلفه ليقدم به تقريرًا في حال موافقته أو رفضه لنشره مقابل مكافأة مالية، ولا اعتراض على ذلك بل الاعتراض على آلية العمل، فمثلًا يعطى مخطوط شعر عمودي ليقيّم من قبل شاعر ما بعد حداثي ينادي بالقطيعة مع هذا الشكل الشعري فيرفضه بغض النظر عن قيمته الأدبية، والعكس صحيح أيضًا، يقاس ذلك على القصة والرواية والمسرح، وكان على الوزارة أن تقوم بعملية فرز الأعمال المقدمة للدعم ومراعاة اختيار القارئ المختص بمضمون المحتوى الذي سيقيمه.

يحدث أن تقدم شركة للورق الصحي دعمًا لكتاب، فتتصدر الغلاف الأول عبارة "طبع بدعم شركة فاين للورق الصحي"

بعض من الكتاب يتكبدون نشر كتبهم على نفقتهم الخاصة ليجنبوا إبداعهم قلم رقيب أو مقص جاهل متنفذ، والبعض الآخر يلجأ إلى شركات ومصانع غير معنية بالثقافة والأدب لكنها لا تمانع بدعم نشر كتبهم فهي تحقق بذلك نوعًا من الدعاية فتشترط على المؤلف أن تضع صور منتجاتها على غلاف كتابه الخلفي، ولك أن تتخيل وتضحك على صورة لعبوات دهان من مختلف الألوان مرشوق ما بداخلها على غلاف كتابك مع جملة دعائية: "نعطي الكون أجمل لون"، (هذا ما احتواه غلاف كتاب أحد النقاد الأردنيين المعروفين)، والأنكى أن تقدم لك شركة ما لصناعة الورق الصحي دعمًا لكتابك فيتصدر الغلاف الأول الجملة التالية "طبع بدعم شركة فاين للورق الصحي"، (هذا أيضًا ما احتواه غلاف كتاب لأحد الشعراء المعروفين في الأردن). هذا ما اطلعت عليه ولا أعرف إن كان ثمة كتب حملت أغلفتها دعايات لمنتجات مصانع أحذية أو سيارات.. إلخ.

أعرف العديد من الشعراء والأدباء الشباب في الأردن ممن رُفضت أعمالهم من قبل الجهة المذكورة، للمحاكمات والأسباب ذاتها، وهي بالحقيقة أعمال ذات قيمة جمالية عالية، وذات وعي فكري عميق تتصدر الحركة الأدبية الأردنية من شعر ورواية ومسرح، لم يتمكن أصحابها من نشرها على نفقتهم الخاصة، وبالطبع لن يرضوا لأغلفة كتبهم أن تكون بروشور إعلاني لإحدى مساحيق التنظيف، بل اكتفوا بنشرها في الملاحق والمجلات الثقافية دون أن يُقدر لها الصدور بين دفتي كتاب مدعومة من الجهات الرسمية المعنية، التي لا تكف عن التشدق بدعمها للكِتاب والكاتب.

ما الذي نريده من وزارة ثقافتنا نحن الكتاب الأردنيين، والشباب على وجه الخصوص، غير حل لمشكة النشر التي نواجهها عند انتهائنا من إتمام كل منجز أدبي، لماذا لا تعيد النظر بما تسميهم لجان قراءة المخطوطات من حيث اختصاصاتهم وأهليتهم الفنية والإبداعية لشغل مثل هكذا منصب يتعلق به مصير المنجز الأدبي لهذا الجيل؟ أو ما الذي يمنعها من أن تؤسس دارًا للنشر خاصة بها تصدر عنها المخطوطات المقدمة والموافق عليها من قبل اللجنة؟

اقرأ/ي أيضًا:

شبيحة "رابطة الكتاب الأردنيين".. أول الدروس

الأردن.. الثقافة في خبر كان