توفي رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني اليوم الإثنين، وكان برلسكوني البالغ من العمر 86 عامًا، يعاني من سرطان الدم وأصيب مؤخرًا بعدوى في الرئة.

ساهم برلسكوني في تحول إيطاليا نحو سياسة داعمة لأمريكا بشكلٍ أكبر، وبالأخص خلال فترة حكم جورج بوش، وتحت قيادة برلسكوني، غيرت الحكومة الإيطالية أيضًا موقفها التقليدي من السياسة الخارجية من كونها أكثر الحكومات الغربية تأييدًا للعرب، إلى صداقة أكبر مع إسرائيل

وكان برلسكوني قد عاد للمستشفى يوم الجمعة الماضي، بعد إقامة سابقة لشهر ونصف، وذلك قبيل اجتماع كبير لحزبه يوم السبت الماضي.

وفي وقت سابق، تم تشخيص إصابة برلسكوني بسرطان الدم، فيما قال المستشفى سابقًا أن الإصابة ليست حادة أو متقدمة.

شغل برلسكوني، رجل الأعمال وقطب الإعلام صاحب المواقف المتطرفة، ثلاث فترات كرئيس لوزراء إيطاليا، كان آخرها بين عامي 2008 و2011 ، قبل أن يُمنع من السياسة لمدة ست سنوات بعد إدانته بتهمة الاحتيال الضريبي، بالإضافة إلى رئاسته نادي ميلان لكرة القدم، وامتلاك سلسلة كبيرة من الشركات التجارية.

زكي وزكية الصناعي

وتشير "رويترز" إلى أن حزب برلسكوني "فورزا إيطاليا" جزء من الائتلاف اليميني بزعامة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، وعلى الرغم من أنه لم يكن له دور كبير في الحكومة، فمن المرجح أن يؤدي موته إلى زعزعة استقرار السياسة الإيطالية في الأشهر المقبلة.

من هو سيلفيو برلسكوني؟

ولد برلسكوني في ميلانو عام 1936 لعائلة من الطبقة المتوسطة، وبعد تخرجه من جامعة ميلانو بدرجة في القانون، أصبح برلسكوني مطورًا عقاريًا، وجمع ثروة كبيرة بحلول السبعينيات.

getty

وأسس شركة ميدياست بحلول منتصف السبعينات، أكبر شركة إعلامية تجارية في إيطاليا، كما امتلك نادي إيه سي ميلان لكرة القدم بين عامي 1986 و2017، وامتلك أكثر من 150 شركة على مدار سنوات عمله التجاري، الذي تدور حوله شبهات واسعة بالفساد والاحتيال الضريبي.

في عام 1993، أسس حزب فورزا إيطاليا، وبعد مرور عام، كان برلسكوني أول رئيس وزراء يتم انتخابه دون أن يكون قد شغل منصبًا حكوميًا سابقًا، ومع بداية ولايته الأولى في رئاسة الوزراء، بدأت التحقيقات في شبهات فساد تطال إمبراطوريته التجارية، مما أدى إلى انشقاقات في الائتلاف الحاكم وتوجه نحو حجب الثقة عنه في البرلمان، مما أدى إلى استقالته في 22 كانون الأول/ ديسمبر 1994، ورغم إدانته بقضايا الاحتيال والفساد، تم إلغاء الأحكام القضائية لاحقًا.

getty

وكانت ولايته الثانية في المنصب بين عامي 2001 و2006، وذلك بعد وعد بتخفيضات ضريبية ومزيد من الوظائف ومعاشات تقاعدية أعلى، واعتبرت ولايته الأطول التي يخدمها أي زعيم إيطالي منذ الحرب العالمية الثانية. 

بمجرد توليه منصبه، واجه برلسكوني عددًا من التحديات، حيث أيد الولايات المتحدة الأمريكية في غزو ​​العراق، وساهم في إرسال قوات إيطالية لتشارك ضمن الغزو، في قرار لم يحظى بالإجماع الشعبي، بالإضافة إلى استمرار أزمة الاقتصاد، مما أدى إلى خسارته الانتخابات عام 2006.

عاد إلى السلطة في عام 2008 لكنه اضطر إلى الاستقالة في عام 2011 وسط أزمة ديون حادة، وأدين برلسكوني بتهمة الاحتيال الضريبي في أواخر عام 2012، حيث قضى عقوبته لمدة عام في خدمة المجتمع بدوام جزئي. وفي عام 2009، ظهر اسم برلسكوني في قضايا جنسية، من بينها إقامة علاقة مع فتاة مراهقة، بالإضافة إلى حصوله على سجلات تنصت على سياسي منافس له، كما أشير مرارًا إلى علاقته بالمافيا الصقلية.

getty

في عام 2018 رفع الحظر عن ترشحه في الانتخابات، وفي عام 2019 فاز برلسكوني بمقعد في البرلمان الأوروبي، وفي الانتخابات العامة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022 عاد حزبه إلى السلطة في ائتلاف بزعامة جورجيا ميلوني، كما تم انتخاب بيرلسكوني عضوا في مجلس الشيوخ.

سياسة اليمين

ساهم برلسكوني في تحول إيطاليا نحو سياسة داعمة لأمريكا بشكلٍ أكبر، وبالأخص خلال فترة حكم جورج بوش، وتحت قيادة برلسكوني، غيرت الحكومة الإيطالية أيضًا موقفها التقليدي من السياسة الخارجية من كونها أكثر الحكومات الغربية تأييدًا للعرب، إلى صداقة أكبر مع إسرائيل.

في وقت سابق، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي  بنيامين نتنياهو عن برلسكوني: "نحن محظوظون بوجود زعيم مثلك. لا أعتقد أن لدينا صديقًا أفضل في المجتمع الدولي"، ودافع برلسكوني بقوة عن إسرائيل واستمر في دعمها بعد تركه منصبه.

عند زيارة الضفة الغربية عام 2010 ووصوله إلى بيت لحم، قال برلسكوني لصحفي إيطالي سأله عن انطباعاته عن جدار الفصل العنصري: "سأخذلك لأنني لم ألاحظه".

getty

وعارض برلسكوني الاعتراف بالدولة الفلسطينية عدة مرات، مؤكدًا على أن إيطاليا لن تعترف بإعلان أحادي الجانب للدولة الفلسطينية، وأضاف خلال وجوده في منصب رئيس الوزراء، قائلًا: "إيطاليا وقفت دائمًا إلى جانب اسرائيل حتى في إطار الاتحاد الأوروبي، عندما عارضت قرارات غير متوازنة وغير عادلة تجاه إسرائيل"، كما امتدح إسرائيل عدة مرات، بزعم كونها "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

ورغم ذلك، مدح برلسكوني الزعيم الإيطالي الفاشي موسوليني، قائلًا: "القوانين العنصرية [التي جردت  اليهود من حقوقهم المدنية في عام 1938] كانت أسوأ خطيئة لزعيم حقق، من نواحٍ أخرى، العديد من الأشياء الإيجابية".

كما دعم برلسكوني توثيق العلاقات بشكلٍ كبير مع روسيا، وامتلك علاقةً قويةً مع فلاديمير بوتين. وفي أيلول/ سبتمبر 2014، اتهم برلسكوني الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي "بمقاربة تافهة وغير مسؤولة تجاه الاتحاد الروسي، والذي لا يسعه سوى الدفاع عن المواطنين الأوكرانيين من أصل روسي الذين يعتبرهم إخوة"، واستمرت العلاقة مع بوتين رغم خروج برلسكوني من الحياة السياسية.

getty

ندد برلسكوني في الغزو الروسي لأوكرانيا بشكلٍ علني، ولكنه عاد ودافع عن بوتين والعملية العسكرية في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن بوتين أراد استبدال فولوديمير زيلينسكي، فيما كشفت تسجيلات صوتية مسربة أن برلسكوني أعرب عن استيائه من الدعم العسكري الإيطالي لأوكرانيا.

بودكاست مسموعة

فاشية متجددة

استخدم برلسكوني -مليونير الإعلام الشهير الذي قال عن الإسلام إنه "دين ذميم"- شبكاته الإعلامية في تعزيز الكراهية والعنصرية ضد الأجانب، إذ تعرض "القناة 4" التابعة له، برنامج أسبوعي باسم "الطابور الخامس"، والذي يبرز الأخبار حول الجرائم التي ترتكب من قبل المهاجرين في إيطاليا.

كما أنه أقام شراكات مع أحزاب عنصرية وفاشية في إيطاليا، تبث مشاعر كراهية الأجانب، وتدعم الأعمال العنيفة ضدهم بما في ذلك الهجمات المسلحة، واعتبر برلسكوني المحرض الأساسي ضد الهجرة إلى إيطاليا منذ سنوات طويلة.

وفي واحدة من تصريحاته العنصرية، وقال برلسكوني "فكرة اليسار هي إيطاليا متعددة الأعراق. هذه ليست فكرتنا، فكرتنا هي الترحيب فقط بأولئك الذين يستوفون شروط اللجوء السياسي".

وفي عام 2008 حاول دعم تشريع، يعتبر الهجرة إلى إيطاليا جريمة جنائية، بما يعني سجن أي مهاجر يحاول الوصول إلى إيطاليا، قبل أن يتراجع عن هذا القانون في وقت لاحق.

واعتبر رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني أن عدد المهاجرين في إيطاليا تسبب في "قلق اجتماعي خطير"، وذلك في أعقاب هجوم عنصري أسفر عن إصابة 6 من المهاجرين الأفارقة، كما قام بطرح تصورات عنصرية وتحريضية على المهاجرين بزعم تسببهم في ذعر اجتماعي.

عارض برلسكوني الاعتراف بالدولة الفلسطينية عدة مرات، مؤكدًا على أن إيطاليا لن تعترف بإعلان أحادي الجانب للدولة الفلسطينية، وأضاف خلال وجوده في منصب رئيس الوزراء، قائلًا: "إيطاليا وقفت دائمًا إلى جانب اسرائيل حتى في إطار الاتحاد الأوروبي، عندما عارضت قرارات غير متوازنة وغير عادلة تجاه إسرائيل"

وخلط برلسكوني بين تصوراته الفاشية العنصرية والذكورية، بقوله: إن "المهاجرين غير مرحب بهم لكن ’الفتيات الجميلات’ يمكنهن البقاء"