في بلاد البلقان يعتبر شرب الكحول عملًا مستهجنًا خلال شهر رمضان، لكن لا مشكلة في بقية أيام السنة، كما يقول الشاب المسلم الألباني الأصل أدريان، الذي يعيش في مقدونيا، تلك البلاد التي لا يعرف عنها العرب والسوريين الكثير. إنها طريق أساسية على خارطة الهرب من بلادهم، التي مزقها عنف السلطة، والتنظيمات الإسلامية الراديكالية، ومنها تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي أعلن "الخلافة" على أرضهم.

لا يساوم أدريان على انتمائه للدين الإسلامي، كما أغلبية الشباب من عمره في الدولة ذات الأغلبية المسيحية، فهم يعتزون بهذا الدين، الذين يجدون أنه "حمل لهم الكثير من القيم الإيجابية"، كما يقول.

يبدو من خلال نمط حياة المسلمين الأوربيين هنا، أن الإسلام لم يصل إليهم كما هو الآن في البلدان العربية التي تعد مهد الديانة الإسلامية. لديهم تقاليدهم التي لم يلوثها التطرف بعد.

على شاطئ البحيرة في منطقة "بريسبا" ذات الأغلبية الألبانية، وعلى شواطئ مدينة "ستروغا" في الشمال، يمكنك مشاهدات النساء المسلمات بثياب السباحة، من دون أن يكون هناك أي حرج، كما أن النساء المحجبات في المدينة قليلات جدًا. وعن ذلك يقول المهندس أيمن: "يمكن أن تشاهد في العاصمة الألمانية برلين، نساء محجبات أكثر من مدينة ستروغا".

تاريخيًا، هجّر عدد كبير من العائلات المسلمة من مقدونيا إلى تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، عن طريق عدة وسائل بدءًا من الضغوط الدينية والسياسية والاقتصادية وملاحقتهم قانونيًا، وصولًا إلى اتهامهم بالوقوف ضد الدولة وضدّ النظام.

يشكل المسلمون 30% من مجمل سكان مقدونيا

الاضطهاد الذي تعرضت له الأقلية المسلمة التي تشكل حوالي 30% (ليست أقلية تمامًا) في هذه الدولة البلقانية بعد خروج العثمانيين، لم يتحول إلى تشدد إسلامي، وإنما ارتد إلى التمسك بالهوية الإسلامية من ناحية العلاقات العائلية القوية، والاحتفال في المناسبات الدينية، كعيد الفطر، الذي يسمى "بيرام" وعلى كل شخص أن يزور فيه جيرانه وأفراد عائلته، لإلقاء التحية وتبادل التهاني.

وعن الشعائر الدينية، يقول أيمن:"الصيام هنا ليس حالة اجتماعية، وإنما خيار شخصي، الكثير من الأشخاص يصومون خلال شهر رمضان، وتقام ولائم الإفطار، ولكن ليس بالضرورة أن يكون الجميع صائمًا".

بعض المناطق الشمالية الغربية والغربية ذات أغلبية مسلمة، ونسبة من مسلمي مقدونيا من الطبقة الغنية وبعضهم تجار ومنهم من يعاني الفقر. وهناك أكثر من 500 مسجد، وتوجد مدارس إسلامية عريقة تعود لقرون سابقة.

الإسلام الشيوعي

يعتقد نسيم، وهو أحد المنتسبين إلى الحزب الشيوعي السابق، أن الاعتدال في تطبيق الإسلام، ناتج عن فترة الحكم الشيوعي، عندما كانت مقدونيا جزءًا من الاتحاد اليوغسلافي. خلال تلك السنوات، تم تطبيق مفهوم المساواة بين الجنسين، واحتلت المرأة مكانة معقولة في المجتمع، كما أن ارتياد دور العبادة كان يعرّض الشخص لمشاكل قانونية.

انتهت الشيوعية تقريبًا في مقدونيا بعد انهيار الاتحاد اليوغسلافي، ولكنها تركت أثرها، وأدت إلى تمسك الألبان بهويتهم الإسلامية، في مقابل تمسك المقدون بانتمائهم المسيحي، بسبب القيود التي فرضتها الشيوعية على الانتماء الديني. بيد أن الألبان، وكما ترى ماني وهي مدرسة، لم يأخذوا من الإسلام إلا القيم الإيجابية، وهي تجد أن "التعصب والإلتزام بتعاليم الإسلام  القديمة، لم يعد يناسب العصر الحالي، خاصةً أن الألبان منفتحون على الغرب وعلى الولايات المتحدة بشكل خاص، ولهم علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي، كما أن نسبة المغتربين في الخارج كبيرة جدا، وهم تتطبعوا بالعادات الغربية فيما يتعلق بطريقة حياتهم واندماجهم بالمجتمعات التي هاجروا للعيش فيها أيام الحرب، الإسلام الموجود في المناطق العربية، أصبح من التاريخ اليوم، كما تقول ماني، وتضيف أن العالم يتطور ويتقدم ونحن يجب ألا نقف عند التاريخ".

انتهت الشيوعية تقريبًا في مقدونيا ولكنها تركت أثرها عبر تمسك المتدينين بأديانهم

أما أيمن فيقول، إن تعاليم الدين الإسلامي التي تيم تناقلها هنا وخاصة بالمساجد، تحض على فعل الخير وعلى مساعدة البعض للبعض الآخر، مع التركيز على إبراز الوجه الجميل للإسلام. يؤكد أن نشوء الصراع على أساس قومي وليس دينيًا، هو سبب نشوء دين معتدل بالمعنى الحقيقي للكلمة، كما أن المسلمين هنا بعيدون عن الصراع بين التيارات والمذاهب الدينية إن كانت السنية- السنية، أو السنية- الشيعية، في البلاد العربية وما حولها.

من جهته، يتحدث محمد، الذي يعيش في أمريكا، وهو يقضي اليوم عطلته في منطقة "بريسبا"، عن المعاناة التي يواجهها المسلمون عامةً في العالم نتيجة ارتباط الدين الإسلامي بمصطلح الإرهاب، كالتفتيش الدقيق في المطارات، والحصول على تأشيرات الدخول لبعض الدول.. "لا أفهم كيف يمكن لشخص ما أن يقول "الله وأكبر" ومن ثم يقطع رأس أحدهم، أنا نفسي مسلم ولا أفهم ذلك، فكيف يمكن أن يفهمه الغرب ويوافق عليه".

التأثير الألباني

المسلمون الذين يعيشون في مقدونيا، ينقسمون إلى عدة أحزاب سياسية، أقواها "الحزب الألباني الديموقراطي"، الذي يمتلك مقاعد في البرلمان وحقائب في الحكومة، وهو مدعوم من دولة ألبانيا، وهنا نجد أن الألبان يعيشون حالة استثنائية، فهم أقلية دينية وعرقية في آن واحد، وهو ما يجعلهم عرضة للاضطهاد المزدوج، حسبما يرى المهندس أيمن الذي ينتمي إلى الحزب الألباني.

ويضيف أن هناك بعض العائلات المتعصبة، هذا أمر لا شك فيه، وهم يقومون مثلًا بالفصل بين الرجال والنساء في الأعراس والمناسبات، ولكنهم أقلية في المجتمع الألباني ومحصورون في مناطق محددة. الإسلام البلقاني معتدل حتى إشعارٍ آخر.