يبدو أن الأشباح تعود، لم لا؟ خاصة في أرض الميعاد، في أرض الحكاية وأسطرتها، التي لا تمن على مستوطن امتهن الإخراج السينمائي، أودي ألوني، فقط بالتقاط حكاية مشفى أمراض عقلية في دير ياسين المهجرة حيث الأرواح تطارد المستعمر، تلك الأرواح التي أزهقت في المجزرة التي حملت اسم القرية المقدسية وأشهرته. بل تكرم، الأرض/ فلسطين،على من فوقها، مستوطنين أو ورثة، بعودة المستعمر/ شبحه بروحه.

في دوامة الأشهر الأولى لاتفاقيات أوسلو، اغتيل إسحق رابين، بكل ما يمثل من جبروت وتسلط عسكري استعماري مارس فاشيته سنوات طويلة على الفلسطينيين، لا تكسير العظام وتحطيمها بالحجارة، ولا دك الأرجل والأعناق برصاص حي، من بنادق الروجر، وهذا تصعيد عن ما يشيع معظم الأوقات في المواجهات مع الاحتلال ورشقه حجارة ومولتوف، إذ يكون التصدي بالرصاص المغلف بالمطاط، ولا حتى الاغتيال أثناء التحقيق مع المناضلين وشبان الانتفاضة في أقبية التحقيق لدى الشاباك الإسرائيلي، كل ما ورد أعلاه أفعال لا تفترق حقا عن ذكرى المجرم رابين وإرثه، الذي قتل بيد مجرم يميني متطرف من مسافة تشبه الصفر نظرًا لأنه بطل عملية "سلام الشجعان" مع الراحلين ياسر عرفات والملك حسين في ضيافة الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، يذكر لإيهود باراك جولة مجاملة مع عرفات في تلك المرحلة.  

يتعاطى  بنيامين نتنياهو مع رام الله كما يتعاطى مع "كيبوتس" في الجليل

اليوم يعود رابين وليس فقط شبحه، إذ خلال الثلث الأخير من الانتفاضة الأولى/الحجارة 1987، أثيرت ضجة أوروبية في أروقة الأمم المتحدة والمنظمات العاملة في قطاع حقوق الإنسان، على العنف الإسرائيلي الممارس بحق الفلسطينيين، والعنف حقًا كان ذميمًا وحقودًا، اختبره كل من عاش الانتفاضة الأولى، سواء في الجولان السوري المحتل، أو في فلسطين المحتلة بمختلف تقسيماتها، آنذاك قام رابين بتغليف المكتوب من القوانين بخصوص استخدام العنف ضد "المدنيين القابعين تحت الاحتلال"، وهدأت لهجة الكنيست رويدًا، لكن مع بقاء الممارسات عينها، من جهاز الشاباك وحرس الحدود ومعهما الجيش النظامي الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية، هذه الأجهزة مجتمعة أذاقت وتذيق الفلسطيني معنى أن يكون أسير حرب، حتى وهو في حضن امرأته.

منذ مطلع القرن الجديد وانتفاضة الأقصى، عادت السياسات عينها، بل أشد منها، من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ويمكن التأريخ للقفزات الأسطورية في دمويتها التي حققها الاحتلال، متكئا على التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية في سجل الاغتيالات الحاشد. لكن على الأقل كميات الجنود والشرطيون في القدس وبالقرب من المستوطنات وعلى الشوارع الالتفافية الرابطة بينها، يقول بأن ما يجري فاعل، وهي أشبه بعودة إلى المعادلة الكلاسيكية، المستعمر يبرر عنفه الخارج عن كل معقول، وهو غير شرعي أساسًا، يصبه على من يضطهدهم وهو يبتسم للمجتمع الدولي ولشركاء السلام. في المقابل، نعم هناك عنف من صاحب المكان ضد المستوطن فيه، خاصة ضد الأشكال العسكرية من هذا الاستيطان، فالرجم بالحجارة والزجاجات الفارغة والحارقة قائم، وقناصة الاحتلال لا يوفرون طلقاتهم، التي كانت مغلفة بالمطاط وأمست رصاصات حية، منها ما هو متفجر الرأس، عبر تلك الماسورة السوداء اللعينة، بندقية كتف حرس الحدود الإسرائيلي "روجر".

رابين وإرثه متجددان في دعامات المؤسسة الأمنية الصهيونية، بنيامين نتنياهو يتعاطى مع رام الله كما يتعاطى مع "كيبوتس" في الجليل، بل وبأقل كلفة واهتمام، وما زال هناك من يراهن على شراكة من يدير مؤسسة إرثها ممتد من بن غوريون إلى اليوم في تقتيل أرضه وشعبه، ولا يفكر حتى في إعادة تقييم الموقف الناجم عن وجوده، لماذا ليس في صفد مثلا؟ ولماذا يدعي مطاردة شبكة "رامي ليفي" للسوبرماركت بأسعار مخفضة، بينما يتصالح حتى مع فكرة الاحتلال؟

ربما تثار الأسئلة كثيرًا عن التحرك والانتفاض، و"متى وأين وكيف"؟ هذا طبيعي في حالة التساؤل عن حالة ظلم، لكن الإجابات دومًا بأسئلة أو دونها، هي لدى من يقفون على الخطوط الأولى، ومن مسافات صفر في مواجهة أزلام حرس الحدود والجيش الإسرائيليين، ليس من الممكن أن تكون إجابة الفلسطيني التصالح مع نتنياهو أو من يخلفه، كما ليس من المعقول أن يبقى الفلسطيني بلا تمثيل شرعي يدعم نضاله على الأرض، لا يستغله فواتير فندقية للعائلة على شرفات الأمم المتحدة.