أنا رجل.

أقولُ ذلك الآن بخجلٍ وأسى. بوصفي رجلًا جميلًا وحزينًا، فلا أحد يهتم بجمال الرّجال وأحزانهم. رغم أنّ الكتب والأفلام تغصُّ بعبارات الغزل بتفاصيل النّساء وضحكاتهنّ وغمّازاتهن ومشيتهنّ ولباسهنّ.

مَن يعرف كيف يضحكُ الرّجل؟ من تهمّه مثلًا غمّازة رجل؟ من يفكّر كيف يمشي الرّجال؟ إنهم ليسوا دائمًا حثيثي الخُطى ولا أظنّ أحدًا يعرفُ ذلك.

أنا رجل جميل وحزينٌ حتّى عندما تكون ثمّة حبيبة فإنّها ستتغزلُ بشجاعتي عندما تبدو خائفةً، برأفتي عندما تخطئُ، بكرمي عندما تقودني إلى السّوبر ماركت، بالحنان عندما تختلف مع أبيها، برجولتي وغيرتي إذا فكرتْ بأن تغيظ امرأة أخرى وبالأمان عندما تشعر بخطرٍ ما!

يا لفظاعة الكلمة!

الأمان.. على ما يبدو أنّكَ موجّهٌ لتكون شاعرًا ورجل أمن.

*

 

أنا رجل جميل وحزينٌ.

لم أتذكّر مرّة أن تحدّثت امرأة عن جسدي سوى الطبيبة التي صارحتني بقوة وعاطفة مشفقة على مدى سنوات. لكن ما الّذي قالته؟

ساقاك ضعيفتان، أيّة إصابة أخرى قد تعيقك عن الحركة. أسنانك تتعرّض للتلف بفعل الحلوى والتّدخين. بصرك متعب ينبغي ألا تتعب عينيك أكثر!

استغربت يومها من عدم سؤالها: أيعاني أنفك من حساسية ما؟ وقد تعني- ألا تشم عطري جيدًا؟

أنهت الطبيبة المحادثة: على العموم وجهكَ مشرق وصحتك جيدة اليوم ولا أعتقد أنها صحوة من صحوات الموت.

*

 

أنا رجل جميل وحزينٌ.

في المرّات القليلة الّتي أحببتُ بها توجّبَ عليّ ألّا أبكي إن تعرضت للأذى لأنّ الرّجال صامدون. وألّا أضحكَ لأنّ الرّجال لا تليقُ بهم السّخرية من جراحهم وأيضًا ألّا أصمُتَ لأنَّ الرّجال لا يصمُتون عن الأذى.

أنا أيضًا أبٌ وطفلٌ. وبشتّى الوسائل أودّ أن أكونَ أباكِ وطفلكِ. أن ألوّثكِ قليلًا وأغضب منكِ كالسّماء الّتي تبرقُ فوقنا. أن أحبَّكِ دونَ أن أبدو عبدًا وسائقًا ودليلًا وسكرتيرًا وصيادًا وعامل بناء ومصلح حمّامات وخبيرًا بعطل أيّ جهاز كهربائيّ في البيت.

أنا رجل جميل وحزينٌ. أودُّ أن يتمّ التغزُّل بي، وأن يُنتَبه لقبّعتي وشعري ولحيتي، لخصري وكرشي وكتفيّ، لساقي وأهدابي، لربطة عنقي وحذائي ولساعة يدي أيضًا. بالرغم من بساطتها يمكنكِ أن تأخذي ساعتي على قدر صنعها إذًا، إنها تشبهني إلى حدّ كبيرٍ تبدو غير مزيّنة وغير ثمينة. لكنّها مع ذلك ما زالت تحفظ تاريخ لقائنا لا تخطئ في التّاريخ ولا تعطل في الماء.

*

 

أنا رجل جميل وحزينٌ.

في اللحظة التي ولدتُ فيها لم تقل امرأة ستكون شابًا جميلًا، كنتُ أسمع النسوة وهن يحرقن مراحل حياتي مع أعواد البخور مسبقًا فيقلنَ: ستكونُ رجلًا. وكان ذلك يعني أنني سأكون حمّال أثقال في الطّرق الملتوية وصانع معجزات في اللحظات

الأقسى الّتي ستعصف بشعوب العالم.

بعد بلوغي أربع سنوات سيتمّ اقتيادي للحلّاق الذي لا أعرفه ليقصَّ شعري حسب التسريحة التي يقترحها أبي، وقد بدأ شعري يتساقط، عشتُ فوات الأوان بحذافيره وعلمتُ أنني كنتُ أصادف النساء اللواتي يهدرن وقتا جيدًا في الصّالونات بتسريحة أبي.

أنا رجل جميل وحزينٌ. هذا ولم أشِرْ بعدُ لألم ختاني، الذي لا أذكر منهُ سوى الألم المفرط والمجهول.

أنا رجل جميل وحزينٌ. ولئن كنت شاعرًا فإنّ الأمر لم يهوّن المصاب فقد بدا كلّ ما قلته خطابًا لغويًا سرعان ما سينسى في الرّكام الذين يؤلفه الرّجال تعبيرًا عن امتنانهم لوجود النساء قبل الاعتراف بوجودهم أنفسهم!

*

 

أنا رجل جميل وحزينٌ.

في بيتي وفي الشارع إذ تمطر السّماء فلا يخطر على بال أحد أنني بحاجة إلى مظلة، النساء هنّ الأولى بالحماية دائمًا وإذ أركبُ في الحافلة فأقف على ركبتيّ بينما يقوم شاب لتجلس امرأة أصغر سنًا منّي.

يبدو أنني سأمزّق خطابي فقد وقف الآن شاب وأشار لي بالجلوس، وأنا أكتب هذه الكلمات متنقلًا من مدينة إلى أخرى.

إنّني أشكره.

فيردُّ بدماثة الخائب: لا داعي للشكر، لقد أشرتُ لامرأة تقف خلفك لكنك انتهزتَ الفرصة. تفضّل بالجلوس!