يعيش اليمن حاليًا واحدة من أحلك اللحظات السياسية والتاريخية لهذا البلد شديد التعقيد والتفرد، فبعد استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014 والزحف العسكري إلى باقي المحافظات، ثم إطلاق "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية منذ أكثر من تسعة أشهر، وما ترافق مع ذلك من انتهاكات جسيمة ارتكبها أطراف الصراع المسلح في اليمن، وتأثير كل ذلك على تعاطي اليمنيين مع وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها "فيسبوك"، قرّر عدد من الشباب اليمنيين إنشاء مجموعات متاحة للعضوية تحاول تقديم معلومات تارة أو الابتعاد قليلًا عن أخبار الدماء تارات أخرى، ومحاولة خلق أجواء إيجابية مهما بدت الظروف محبطة ومعاكسة، وخدمة للإنسان اليمني المدني "العادي" الساقط دائمًا من حسابات المتحاربين والمتفاوضين.

مجموعات اليمن على فيسبوك هي محاولة لخلق أجواء إيجابية وخدمة للإنسان اليمني المدني

تعد مجموعة "وين الانفجار الآن" إحدى أشهر المجموعات التي تم إنشاؤها في ظل الصراع المسلح في اليمن حيث بلغ عدد أعضائها أكثر من 27 ألف عضو، وتهدف المجموعة كما هو مدون في خانة المعلومات إلى تحديد مواقع الانفجارات/القصف في جميع المحافظات حال حدوثها بشكل سريع ودقيق للمساعدة في تزويد معلومات وصور ومقاطع مصورة عن المواقع التي تم استهدافها، وتأتي أهمية هذه المجموعة في كونها توفر المعلومات بسرعة وبدقة مما يسهل على المشاركين/ات الاطمئنان على ذويهم/ن خاصة في ظل النزوح الهائل الحاصل في البلاد بأسلوب لم تستطع القنوات الإعلامية المحلية أو الإقليمية في مجاراته، وعن طريقة اختيار الأعضاء يقول أحد مشرفي الصفحة هاشم جميل هاشم إن الصفحة مفتوحة أمام جميع اليمنيين لأن مادة المجموعة تعتمد عليهم بشكل كامل، ولكن الحذف يطال كل من يحاول تسييس المجموعة أو نشر أي منشورات أو تعليقات طائفية أو سياسية أو الخروج عن الهدف الأساسي للمجموعة.

ومن ناحية أخرى، يؤكد المهندس بمصلحة الجمارك ومؤسس المجموعة باسم نور أن أهم نقطة هي التأكيد على استقلالية المجموعة لأنهم يتعرضون إلى مضايقات كثيرة بخصوص هذا الموضوع، كما يؤكد نور أن مشرفي المجموعة كلهم من فئة الشباب الذين تطوعوا بالإشراف بوقتهم وجهدهم لتقديم معلومات بأقصى درجات الدقة والمصداقية. جدير بالذكر أنه تم مؤخرًا إطلاق خدمة جديدة للمجموعة عن طريق تطبيق "التلغرام".

أعشق اليمن I Love Yemen

على جانب آخر هناك من حاول أن يبتعد تمامًا عن المنشورات ذات الطابع المعلوماتي أو السياسي، ومحاولة ردم الشقاق بين أفراد المجتمع اليمني عبر إيجاد واحة "فيسبوكية" يحاول اليمنيون فيها أن يجمعوا ما فرقته السياسة والشروخ التي باتت تهدد السلم الاجتماعي.

يحاول شباب يمنيون خلق واحة "فيسبوكية" يجمعون فيها ما فرقته السياسة والشروخ التي باتت تهدد السلم الاجتماعي

مجموعة "أعشق اليمن" كانت فكرة المصورة الفوتوغرافية اليمنية المقيمة في الولايات المتحدة السيدة بشرى المتوكل، وقد تأسست المجموعة في حزيران/يونيو الماضي ويشرف عليها مجموعة من الشابات والشباب ومنهن السيدة بسمة هاشم التي قالت لـ"ألترا صوت": "الهدف من تأسيس المجموعة هو لم شمل اليمنيين بعيدًا عن المهاترات السياسية جراء الأحداث الدامية التي تحدث في البلاد، الشروط ليست معقدة والعضوية مفتوحة للجميع، تهتم المجموعة بالصور والمعلومات حول ما يتعلق بالثقافة اليمنية من أغانِ وملابس وأطعمة وأنماط بناء وما إلى ذلك، ونحاول قدر المستطاع أن نلتزم بهذه السياسة رغم أن البعض يشتكي من صرامة القوانين ومن حذف منشورات الأعضاء إلا أن الأغلبية يلتزم بها"، وتضيف بسمة شرف: "المجتمع اليمني أصبح حساس للغاية وأي كلمة أو صورة قد تُفسر سلبيًا وكل ما يرونه يحاولون أن يجعلوه مادة للخلاف السياسي"! ويبلغ عدد أعضاء المجموعة أكثر من 14 ألف. 

ما بعد الحرب

في آب/أغسطس الماضي أسس الأستاذ الجامعي في كلية التجارة في الجامعة اللبنانية نزار عليان مجموعة "ما بعد الحرب"، والتي يبلغ عدد أعضائها 1172، وتهدف المجموعة إلى الحديث عن كيفية مساهمة الشباب في المستقبل بعد انتهاء الحرب الدائرة في البلد منذ أكثر من عام، يقول نزار عليان: "نحن اليمنيون نعيش في الماضي، نبكي من أجل الماضي، نفتخر بالماضي، قررت من خلال المجموعة أن أجعل الشباب يفكرون بالمستقبل، عما بعد نهاية الحرب، أنا أثق بوجود شاب يمني مثقف وواعٍ، عاش حروبًا وصراعات طويلة، ومن هنا سوف تنشأ الأفكار والأحلام والمشاريع بعيدًا عن السياسة والدين".

يضيف عليان: "العضوية مفتوحة للجميع، وتتركز المنشورات حول نقاش الأفكار القابلة للتنفيذ بعد انتهاء الحرب، أريد من الشباب أن يركزوا على المستقبل، وفي جانب آخر نحن نحاول أن ننفذ أنشطة أخرى مثل تنفيذ مهرجان كوميدي في صنعاء أو تعز، وكذلك الإعلان في الأيام القليلة القادمة عن مسابقة "ثوانِ للضحك" للبحث عن المواهب الكوميدية في اليمن". 

التجمهر اليمني للسلام

بصورة لخريطة اليمن "الموحد" تتوسطها حمامة السلام وغصنها الشهير، تستقبل صفحة "التجمهر اليمني للسلام" زوارها وهي مجموعة كما تنص خانة التعريف تهدف إلى لم شمل اليمنيين ونشر ثقافة السلام والمجموعة لا تستهدف اليمنيين فقط، بل مفتوحة لأي إنسان من أي منطقة كانت، يقول شادي ناشر بأن فكرة تأسيس المجموعة جاءت بعد نقاش مع الصحفي والكاتب فكري قاسم حول مستقبل السلام في اليمن في ظل الصراع المسلح". 

ويضيف: "بعد تأسيس المجموعة قمنا بدعوة عدد من الشخصيات المعروفة من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين وبالفعل تم التجاوب سريعًا، ولكن من جهة أخرى كنا نستقبل منشورات ورسائل ساخرة من الفكرة، أو تتهمنا بالعمالة لبعض الجهات والدول، فيكون الرد بأننا نتواصل مع صاحب المنشور أو الرسالة بشكل شخصي محاولين إزالة أي لبس أو سوء فهم، وبالفعل يعتذر الكثير منهم"

وفي النهاية يقول ناشر: "تركز المنشورات حول إشاعة ثقافة السلام والحوار والمحبة، ونبذ التطرف والعنف والإرهاب بجميع صوره، ومن يضع منشورا يحرض فيه على العنف ضد أي مجموعة يتم حذف التعليق ثم يتم حظر العضو نفسه إذا كرر نشر هكذا أفكار، ونحن الآن بصدد إقامة أنشطة وفعاليات سيُكشف عنها لاحقًا وستعزز أهداف المجموعة بشكل أعمق وأكثر انتشارًا". ويبلغ عدد أعضاء المجموعة أكثر من سبعة آلاف. 

اقرأ/ي أيضًا:

ناصريو اليمن.. انسحاب فيسبوكي فقط

النزوح اليمني من حرب إلى حرب