تبدأُ الغيمةُ في نعاسٍ هادئٍ ومُبتَسمْ. تفتحُ شُبّاكَ المدى على أغنيةٍ من أنهارٍ وغاباتٍ في روايةٍ تكتبُها امرأة تسكنُ جبلًا؛ بيتُها من قصبِ الناياتِ وعذاباتِ قصصٍ عذبةٍ مع عُشّاقٍ نفضتهم واختلتْ بصورِهم في ليالٍ مُقمرةٍ تُعيدُ صياغتَهم كما تشتهي.

تذهبُ الغيمةُ في نومٍ هادئٍ ومبتسمٍ. تفتحُ نزقَ الحلمِ على التفاصيل التي تُدركُها روحٌ تدرّبتْ على الركضِ في أزقةِ الوحشةِ والتوحُّشْ. تغيبُ في غياباتٍ من أبدٍ لا يبدأُ. والقيامةُ في نومِها مجرَّدُ اشتعالٍ طفيفٍ يمسُّ دمَها. تسيلُ اللغاتُ عرقًا متدفِّقًا من أناملِها. تحسُّ جروحًا سكنتها في مناماتٍ عتيقة. تصهرُ أنفاسها في خريطةٍ سترسمُها في صحوٍ لاحقٍ. وتستيقظُ مفزوعةً من ندى تجمّد من بردِ علوها المتهالكْ.

تصحو الغيمةُ من نومٍ أقلقه ماضٍ تعرفُهُ الأنهارُ والغاباتُ. وترمي سهامًا في هواءٍ يكادُ يفقدُ حيادَهُ. والكاتبةُ تُغلقُ دفترَها على صوتِ مطرٍ من غيمةٍ واحدةٍ تدقُّ سقفَ حكاياتِها؛ تلهثُ وراءَ عنوانٍ لحياةٍ مرّت كبرقْ. تلبسُ فستانًا عاديًّا وتنزلُ اتجاهَ السوقِ وتمشي في شوارعِهِ بعاديّةٍ لا تلفتُ انتباهَ أحدٍ؛ وتنسى اسمًا لها على كتابٍ معروضٍ لقرّاءٍ يفقدونَ القدرةَ على قراءةِ قدرها.

تمرُّ دونَ تنبُّه حواسُّها لما خطّتْهُ ذاكرتُها. ولا تحاولُ التفكير في عنوانِ كتابِها الذي أرهقَها اختيارُهُ. تموتُ على الرصيفِ؛ يمرُّ أحدُهُم يحملُ جريدةً باليةً؛ يغطي وجهها المبتسمُ ويمضي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لسان الدين بن الخطيب: بَعُدْنا وإن جاورتنا البيوت

كأنّ اسمي عصاكِ السحرية؟